احتجّ المرتضى رضي الله عنه بأنّ في استصحاب الحال جمعا بين حالين في حكم من غير دلالة*
______________________________
كونها خارقة للعادة ، فعدم كونه مقدورا بحكم العادة معلوم بالوجدان.
* حجّة المانعين لحجّية الاستصحاب بوجوه :
منها : ما في الغنية (١) كما عن المرتضى في الذريعة (٢) من أنّ المتعلّق باستصحاب الحال يثبت الحكم عند التحقيق بغير دليل.
توضيح ذلك : « أنّهم يقولون قد ثبت بالإجماع على من شرع في الصلاة بالتيمّم المضيّ فيها قبل مشاهدة الماء ، فيجب أن يكون على هذه الحالة بعد المشاهدة له ، وهذا منهم جمع بين الحالين في حكم من غير دليل اقتضى الجمع بينهما ، لأنّ اختلاف الحالتين لا شبهة فيه لأنّ المصلّي غير واجد للماء في إحداهما وواجد له في الاخرى ، فلا يجوز التسوية بينهما من غير دلالة ، وإذا كان الدليل إنّما يتناول الحال الاولى وكانت الاخرى عارية منه لم يجز أن يثبت لها مثل الحكم » (٣) انتهى.
ومحصّله : أنّ دليل الحكم في الحالة الاولى غير متناول للحالة الثانية ، فيكون استصحاب الحكم الثابت في الاولى إلى الثانية إثباتا للحكم فيها من غير دليل وهو باطل ، فيكون الاستصحاب الّذي يتعلّقون به باطلا.
وهذا في غاية المتانة ، لما قرّرناه من أنّ ثبوت الحكم في وقت أو في حالة لا يلازم عقلا ثبوته في وقت آخر ولا في حالة اخرى ما لم يتناول دليله لهما. ودعوى حصول الظنّ ببقائه فيهما من ملاحظة ثبوته الأوّل أو من ملاحظة أمر آخر من غلبة أو غيرها ، مردودة على مدّعيها ، ولكنّه لا ينافي التعبّد بإجراء أحكامه وترتيب آثاره فيهما إلى أن يقطع بالخلاف ، إلاّ أنّه أيضا يحتاج إلى دليل وسيأتي بيانه من جهة الأخبار.
وعن المحقّق في المعارج الجواب عن الدليل المذكور : « بأنّ كون استصحاب الحكم عملا بغير دليل غير مستقيم ، لأنّ الدليل دلّ على أنّ الثابت لا يرتفع إلاّ برافع ، فإذا كان التقدير تقدير عدمه كان بقاء الثابت راجحا في نظر المجتهد ، والعمل بالراجح لازم (٤) » انتهى.
وفيه : من الخلط بين عدم وجود الرافع وعدم العلم بوجوده ما لا يخفى ، إذ على تقدير
__________________
(١) الغنية ( الجوامع الفقهيّة ) : ٤٨٦.
(٢) الذريعة إلى اصول الشريعة ٢ : ٨٢٩ ـ ٨٣٠.
(٣) الذريعة إلى اصول الشريعة ٢ : ٨٣٠.
(٤) المعارج : ٢٠٩.