والأوّل مجرى الاستصحاب.
وعلى الثاني فإمّا أن يكون الواقعة بحيث يمكن فيها الاحتياط أو لا يمكن ، لدوران الأمر بين المحذورين لشبهة موضوعيّة أو حكميّة.
والثاني مجرى أصالة التخيير.
وعلى الأوّل فإمّا أن يكون الشكّ في التكليف ، أو في المكلّف به الّذي لا يؤول إلى الشكّ في التكليف.
والأوّل مجرى أصل البراءة.
والثاني مجرى أصالة الاشتغال.
وقد عقد الاصوليّون للنوع الأوّل وهو الاستصحاب بابا برأسه ، لكثرة مباحثه وتكثّر أقسامه وتشتّت الأقوال في حجّيّته ، وكذلك عقدوا لأصل البراءة أيضا بابا على حدة لأجل ما ذكر.
وأمّا الأصلان الآخران فلقلّة مباحثهما وعدم وقوع خلاف معتدّ به فيهما لم يعقد لهما باب على حدة ، بل يذكر كلّ منهما في تضاعيف باب أصل البراءة. وبهذا البيان ظهر الوجه في دخول الشكّ في موضوع هذه الاصول الأربع ، فإنّ مؤدّيات هذه الاصول أحكام كلّيّة مجعولة جعلها الشارع للشاكّ بوصف كونه شاكّا ، ولأجل ذا جرت عادتهم بتسمية هذه الأحكام بالأحكام الظاهريّة.
لكن ينبغي أن يعلم أنّ الشكّ هاهنا لا يراد منه خصوص مصطلح المنطقي وهو الاحتمال المساوي ، بل ما يعمّه والظنّ الغير المعتبر ، فإنّ حكم الظنّ الغير المعتبر في مجاري الاصول الأربع بل مطلقا حكم الشكّ.
وبالتأمّل فيما ذكر يظهر أنّ أصل البراءة ليس من الأدلّة العقليّة كما أشرنا إليه أيضا في تعريف الدليل العقلي ، فإنّه ليس من جنس الدليل فضلا عن كونه عقليّا ، مع أنّ الدليل العقلي حكم عقليّ يتوصّل به إلى حكم شرعي ، وهذا نفي للتكليف الشرعي الإلزامي أو نفي للعقوبة أو المؤاخذة على الفعل أو الترك.
نعم قد يكون مدركه الدليل العقلي كقبح التكليف بما لا يطاق ، وقبح التكليف بلا بيان ، وقبح العقاب بلا إقامة البرهان ، فهو حينئذ من قبيل المدلول ، وهو مفاد قوله عليهالسلام : « ما حجب الله علمه عن العباد فهو موضوع عنهم » (١) وقوله عليهالسلام : « رفع عن امّتي
__________________
(١) الوسائل ١٨ : ١١٩ ، الباب ١٢ من صفات القاضي الحديث ٢٨.