والشكّ في عدم الحدث ـ مضافا إلى ما يظهر بالتأمّل من كون مورد الأخبار الاستصحابيّة إنّما هو الاستصحابات الوجوديّة ـ خروج عن الإنصاف ، بل الظاهر من اليقين المنهيّ عن نقضه بالشكّ إنّما هو اليقين بوجود الحكم ، وهذا المعنى لو لم ندّع ظهوره في جميع أخبار الباب فلا أقلّ من كونه ظاهر بعضها ، وبه الكفاية في مؤنة إثبات حجّيّة الاستصحاب الوجودي ، وعليه فيتوجّه المنع إلى صحّة دعوى عدم الاندراج.
فطريق الجواب عن الدليل المذكور في هذا القسم والقسم الأوّل واحد ، وحينئذ فلا بدّ إمّا من إنكار قاعدة عدم اجتماع الشكّ المسبّبي مع الشكّ السببي في الاندراج تحت العموم رأسا ، أو تخصيصها بما لو كان متعلّق الشكّ المسبّبي ومتعلّق الشكّ السببي أمرين وجوديّين ، محافظة على قاعدة الورود فيما لو اختلف مقتضى اليقينين.
ثمّ إنّ هذا القول بعد التوجيه المذكور وإبداء الفرق بينه وبين المذاهب الثلاث المتقدّمة ربّما يظهر اختياره من الفاضل النراقي في مناهجه ، إلاّ أنّه عبّر عنه بحجّيّة استصحاب حال العقل دون استصحاب حال الشرع ، مريدا بحال العقل مطلق الأمر العدمي وبحال الشرع خصوص الحكم الشرعي الوجودي ، حيث أشار إلى اختياره في ذيل الفائدة الاولى من الفوائد الّتي ذكرها في خاتمة مسألة الاستصحاب ، فقال : « وقد تلخّص أنّ الأحكام الثابتة إنّما يحكم ببقائها بالاستصحاب إذا شكّ في المزيل لا في غيره ، وأنّ الحجّة من الاستصحاب ما كان الشكّ المعتبر فيه من هذا القبيل ، ولكن لا استصحاب حال الشرع بل استصحاب حال العقل.
ومن هذا يظهر الفرق بين ما قلنا وبين قول من خصّ حجّيّة الاستصحاب بما إذا كان الشكّ في المزيل ، فإنّ الظاهر أنّه يريد استصحاب حال الشرع ، ولو أراد ما قلنا كما هو المحتمل فنعم الوفاق » انتهى ملخّصا.
واحتجّ لعدم حجّيّة استصحاب حال الشرع فيما قبل ذلك بتعارضه مع استصحاب حال العقل غير ما هو الحجّة منه ، وأوضحه فيما قبل ذلك أيضا في مسألة تعارض الاستصحابين المحكوم عليهما بعدم إمكان العمل بشيء منهما فيتساقطان ، بأنّه : « إذا قال الشارع في ليلة الجمعة مثلا : صم ، وقلنا : بأنّ الأمر للفور وكنّا متوقّفين في إفادته المرّة أو التكرار ، فنقطع بوجوب صوم يوم الجمعة ونشكّ في السبت ، وفيه يتعارض الاستصحابان لأنّا كنّا يوم الخميس متيقّنين بعدم وقوع التكليف بصوم يوم الجمعة ولا السبت ، وبعد ورود