أمّا الأوّل : فلكون الموصول المتكرّر في سابق هذه الفقرة ولا حقها ـ كقوله : « ما استكرهوا عليه ، وما لا يطيقون ، وما اضطرّوا إليه » بل الخطأ والنسيان ـ أيضا كناية عن الموضوع لا غير.
وأمّا الثاني : فلا ستلزامه الاستخدام الّذي هو مجاز في الضمير أو خلاف ظاهر فيه فلا يعدل إليه بدون قرينة ، وعليه فالاستدلال بها على الشبهة الحكميّة غير متّجه.
ومنها : قوله عليهالسلام : « ما حجب الله علمه عن العباد فهو موضوع عنهم (١) ».
ووجه الدلالة : أنّه عليهالسلام أسند حجب العلم إلى الله تعالى ، وهذا يقضي بكون الموصول كناية عمّا من شأنه أن يبيّنه الله تعالى ، وليس ذلك إلاّ الحكم الكلّي المجعول للواقعة ، وكونه موضوعا عنهم كونه مرفوعا عن ذممهم على معنى خلوّ ذمّتهم عن ذلك الحكم المجعول ، فيكون هذه الرواية مخصوصة بالشبهات الحكميّة ، فيقال في الحكم المشتبه ـ كما في قراءة الدعاء عند رؤية الهلال : ـ إنّه ما حجب الله علمه عنّا ، وكلّما حجب الله علمه عنّا فهو موضوع عنّا ، فهذا موضوع عنّا.
فإن قلت : إنّ الواقعة ليست خالية عن حكم مجعول ، وإسناد حجب العلم إليه تعالى إن اريد به ما يكون حقيقيّا ـ بأن يكون الحجب حاصلا بمباشرته تعالى ـ فهو لا يلائم عدله وحكمته ، إمّا لأدائه إلى العبث في جعل الأحكام ، أو لإخلاله باللطف الواجب عليه تعالى. وإن اريد به ما يكون مجازيّا ـ بأن يحصل الحجب بمباشرة غيره تعالى واسند إليه لضرب من المجاز ـ فهو خلاف ظاهر لا يصار إليه بغير دليل. فلابدّ وأن يحمل ما حجب علمه عن العباد على غير الأحكام المجعولة للوقائع ، من الامور المستورة عن العباد الّتي لا تكليف عليهم في معرفتها ، ككنه ذاته تعالى ، وأسرار القضاء والقدر ، وحقيقة الروح ، وما في الأرحام ، ووقت حلول الساعة ، ووقت ظهور إمام العصر عجّل الله فرجه وما أشبه ذلك ممّا لا سبيل للعباد إلى العلم به. وكونه موضوعا عنهم معناه عدم كونهم مكلّفين بمعرفة هذه المطالب ، وعليه فالرواية ممّا لا تعلّق له بباب أصل البراءة.
قلت : هذا يوجب ارتكاب خلاف ظاهر لا داعي إليه ، وهو التفكيك بين الموصول والموضوع عن العباد ، إذ الأوّل كناية عن الامور المذكورة والثاني عبارة عن التكليف
__________________
(١) الوسائل ١٨ : ١١٩ ، الباب ١٢ من أبواب صفات القاضي ، ح ٢٨.