لئلاّ ينافي ثبوت المنع بحسب ما في الواقعة من حيث هي.
ومنها : قوله عليهالسلام : « أيّما امرئ ركب شيئا بجهالة فلا شيء عليه (١) » فإنّ من ارتكب شيئا من المشتبه لجهله بحكمه الواقعي فقد ركب شيئا بجهالة ، فلا شيء عليه لعموم الرواية.
ولكنّ الإنصاف : أنّ نهوض هذه الرواية على ما نحن فيه مشكل ، لظهور الجهالة في الجهل الساذج الّذي لا يشوبه التفات وهو الغفلة ، كما لو شرب الخمر غفلة عن خمريّته أو حرمته مثلا ، فالرواية مسوقة لإعطاء حكم للغافل ، فلا يندرج فيه الجهل مع الالتفات كصورة الشكّ والتردّد ، هذا مع إشكال آخر في شمولها لمشتبه الحكم لظهورها في الجهل بالموضوع الخارجي.
وربّما ادّعي ظهور « الجهالة » في الرواية ونظائرها كما في قولك : « فلان عمل كذا بجهالة » في الجهل المركّب وهو اعتقاد الصواب فيما ليس بصواب في الواقع ، فلا يعمّ صورة التردّد في كونه صوابا أو خطأ ، والأوّل أظهر.
وهكذا يجاب عن كلّ رواية علّق فيها الحكم بالجهالة ، مثل صحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج عن أبي إبراهيم عليهالسلام : « قال : سألته عن الرجل يتزوّج المرأة في عدّتها بجهالة ، أهي ممّن لا تحلّ له أبدا؟ فقال عليهالسلام : لا ، أمّا إذا كان بجهالة فليتزوّجها بعد ما تنقضي عدّتها ، وقد يعذر الناس في الجهالة بما هو أعظم من ذلك ، فقلت : بأيّ الجهالتين أعذر ، بجهالة أن يعلم أنّ ذلك محرّم عليه أم بجهالة أنّها في عدّة؟ فقال : إحدى الجهالتين أهون من الاخرى ، الجهالة بأنّ الله قد حرّم عليه ذلك ، وذلك لأنّه لا يقدر على الاحتياط معها ، فقلت : هو في الاخرى معذور؟ قال : نعم إذا انقضت عدّتها فهو معذور في أن يتزوّجها (٢) وفيها قرينة اخرى على إرادة صورة الجهل الساذج والغفلة ، وهو التعليل بعدم القدرة على الاحتياط ، وإن كان ربّما يشكل الحال في تفكيكه عليهالسلام في ذلك بين جاهل الحرمة وجاهل العدّة ، لقضاء تخصيصه بالأوّل بقدرة الثاني على الاحتياط وهذا لا يجامع الغفلة.
ومنها : صحيحة عبد الله بن سنان المرويّة عن نوادر المعيشة من الكافي عن الصادق عليهالسلام قال : « كلّ شيء يكون فيه حلال وحرام فهو لك أبدا حتّى تعرف الحرام بعينه فتدعه (٣) ».
__________________
(١) الوسائل ٥ : ٣٤٤ الباب ٣٠ من أبواب الخلل في الصلاة ، الحديث الأوّل و ٩ : ١٢٥ الباب ٤٥ من أبواب تروك الإحرام ، ح ٣ و ٩ : ٢٨٩ الباب ٨ من أبواب بقية كفّارات الإحرام ، ح ٣ ، مع تفاوت يسير.
(٢) الوسائل ١٤ : ٣٤٥ ، الباب ١٧ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، ح ٤.
(٣) الوسائل ١٢ : ٥٩ الباب ٤ من أبواب ما يكتسب به ، الحديث الأوّل.