المشارفة إن لم نحمل « الشبهات » على العموم (١).
فظهر أنّ موضع الاستدلال من هذا الخبر مشتبه أو متعدّد ، وأيّامّا كان فنجيب عن التقرير الأوّل بوجهين :
الأوّل : منع كون الخبر الشاذّ من قسم الأمر المشكل المأمور بردّه إلى الله ، بل الّذي يكون من الأمر المشكل إنّما هو الخبران المتعارضان معا إذا تساويا في جميع الجهات المرجّحة ، كما فرضه الراوي في آخر المقبولة فأجاب الإمام عليهالسلام بالإرجاء حتّى يلقى إمامه. وأمّا الخبر الشاذّ فهو من القسم الثاني وهو أمر بيّن غيّه ، كما أنّ الخبر المجمع عليه من القسم الأوّل وهو أمر بيّن رشده.
أمّا أوّلا : فلأنّ الإمام عليهالسلام أمر بتقديم المجمع عليه ، وعلّله : بأنّ المجمع عليه لا ريب فيه وهو يقتضي كون الشاذّ ممّا فيه ريب ، لأنّ تعليل حكم بعد تخصيصه بشيء بالعلّة المشتركة بينه وبين شيء آخر يوجب قبح التخصيص أو قبح التعليل ، فالخبر المجمع عليه لكونه ممّا لا ريب فيه يدخل في أمر بيّن رشده المأمور باتّباعه ، والخبر الشاذّ لكونه ممّا فيه ريب يدخل في أمر بيّن غيّه المأمور باجتنابه ، وغرضه عليهالسلام من التقسيم وبيان هذين القسمين مع حكمهما بعد أمره عليهالسلام بأخذ المجمع عليه وترك الشاذّ الاستدلال بما ينحلّ إلى صغرى وكبرى كلّية بعد ذكر النتيجة ، كما لو قيل : « العالم حادث لأنّه متغيّر ، وكلّ متغيّر حادث » فقوله عليهالسلام : « يؤخذ المجمع عليه ويترك الشاذّ » نتيجتان استدلّ على اولاهما بقوله : أمر بيّن رشده فيتّبع ، فكأنّه قال : لأنّه أمر بيّن رشده ، وكلّ أمر بيّن رشده يجب اتّباعه.
وعلى اخراهما بقوله : أمر بيّن غيّه فيجتنب ، فكأنّه قال : لأنّه أمر بيّن غيّه وكلّ أمر بيّن عينه يجب اجتنابه.
وأمّا ثانيا : فلأنّ الخبر الشاذّ إذا كان من المشتبه لزم كون المجمع عليه أيضا من المشتبه ، لأنّ الاشتباه أمر نسبي يقتضي منتسبين ، وهما في التعارض كـ « لا المتعارضين ». فيلزم كون الترجيح والأخذ بالمرجّحات الواردة في المقبولة مستحبّا واجبا كما تنبّه عليه بعض الأعلام (٢) ، ولا يرضى به المستدلّ وبيان الملازمة : أنّ الشبهة حينئذ وجوبيّة لدوران الأمر بين التعيين والتخيير ، والاحتياط يقتضي تعيين المجمع عليه ، وبناء الأخبارييّن في الشبهات الوجوبيّة كما تقدّم على استحباب الاحتياط لا وجوبه ، فوجوب الترجيح المتّفق
__________________
(١) القوانين ٢ : ٢١.
(٢) القوانين ٢ : ٢٣.