احتجّ الأخباريّون بالكتاب والسنّة والعقل ، فمن الكتاب طوائف ثلاث :
منها : الآيات الناهية عن القول على الله بما لا يعلم كقوله تعالى : ( وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ )(١) و ( أَنْ تَقُولُوا عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ )(٢) وفي معناها الأخبار الناهية عن ذلك أيضا ، مثل قوله عليهالسلام : « إذا جاءكم ما تعلمون فقولوا به وإن جاءكم ما لا تعلمون فها ، وأهوى بيده إلى فيه (٣) » وقوله عليهالسلام بعد قول الراوي : ما حقّ الله على خلقه؟ فقال : « أن يقولوا ما يعلمون ، ويكفّوا عمّا لا يعلمون ، فإذا فعلوا ذلك فقد ردّوا إلى الله حقّه (٤) » فإنّ القول بالبراءة عند الجهل بالحكم اتّباع لما ليس لنا به علم وقول على الله بما لا يعلم.
ومنها : الآيات الآمرة بملازمة التقوى ، كقوله تعالى : ( اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقاتِهِ )(٥) وقوله : ( فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ )(٦) فإنّ الاتّقاء في محتمل الحرمة لا يتمّ إلاّ بالاحتياط والاجتناب ، فيجب.
ومنها : قوله تعالى : ( وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ) (٧) فإنّ ارتكاب الشبهة إلقاء للنفس في التهلكة فيحرم.
والجواب عن الجميع : بالنقض بالشبهة في محتمل الوجوب ، لبنائهم فيها على البراءة.
وعن الطائفة الاولى : بأنّ اتّباع ما ليس لنا به علم ، والقول على الله بما لا يعلم في محتمل الحرمة ، إنّما يلزم بالحكم بالبراءة وجواز الارتكاب على أنّه حكم الواقعة من حيث هي ، وليس مبنى القول بالبراءة على ذلك ، فإنّا لا نفتي فيه بشيء على أنّه الحكم الواقعي ، بل نتوقّف من هذه الجهة ، وأمّا الحكم بالبراءة وجواز الارتكاب على أنّه حكمها من حيث الجهل بحكمها الواقعي فليس اتّباعا لما لا علم لنا به ، ولا قولا على الله بما لا يعلم ، لمكان العلم به من الأدلّة القطعيّة الناهضة بالبراءة في الشبهة ، ولا سيّما العقل المستقلّ بقبح العقاب على الفعل أو الترك بلا بيان.
وعن الثانية : بعدم منافاة العمل بالبراءة في محتمل الحرمة بعد ثبوت ترخيص الشارع فيه للاتّقاء المأمور به ، من الوقاية بمعنى التحفّظ عن معاصي الله تعالى بترك الواجبات وفعل المحرّمات ، ولذا قيل في تفسير قوله : ( اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقاتِهِ )(٨) حقّ تقواه ، وما يجب منها وهو استفراغ الوسع في القيام بالواجبات والاجتناب عن المحارم.
__________________
(١) الإسراء : ٣٦. (٢) البقرة : ١٦٩.
(٣) الكافي ١ : ٥٧ ، ح ١٣.
(٤) الوسائل ١٨ : ١١٩ الباب ١٢ من أبواب صفات القاضي ، ح ٢٧.
(٥) آل عمران : ١٠٢.
(٦) التغابن : ١٦.
(٧) البقرة : ١٩٥.
(٨) آل عمران : ١٠٢.