الاستصحاب ، لاختصاصها بموارد محصورة لا يمكن التمسّك بحجّية الاستصحاب فيها لإثبات حجّيته على وجه العموم إلاّ من باب تنقيح المناط ، بأن يقال : إنّ المناط في مواردها إنّما هو التعويل على الحالة السابقة من حيث إنّها حالة سابقة من دون مدخليّة لخصوص المورد ، وهذا بمكان من المنع إذ لا منقّح لهذا المناط على وجه يطمئنّ بعدم مدخليّة الخصوصيّة. وعلى فرض التسليم فهو مقصور على بعض صور الاستصحاب ، وهو ما كان الشكّ في عروض المانع وطروّ المزيل والرافع ، فلا وجه للتعدّي إلى غير هذه الصورة ، هذا تمام الكلام في أدلّة المطلقين لحجّية الاستصحاب.
وبقي الكلام في حجج المفصّلين ، ولقد عرفت في مفتتح المسألة أنّ التفاصيل كثيرة :
الأوّل منها : ما أحدثه الفاضل التوني في الوافية وعزاه إلى نفسه وإن قصرت عبارته في إفادته ، وهو الفرق بين الأحكام التكليفيّة الابتدائيّة بعدم الحجّية فيها ، والأحكام الوضعيّة أو التكليفيّة التابعة لها بالحجّية. وينبغي نقل عبارته المسوقة لهذا التفصيل ثمّ التعرّض لبيان ما يرد ، فإنّه بعد الإشارة إلى الخلاف في المسألة ونقل حجّة النافين قال : « ولتحقيق المقام لا بدّ من إيراد كلام يتّضح به حقيقة الحال. فنقول : الأحكام الشرعيّة تنقسم إلى ستّة أقسام :
الأوّل والثاني : الأحكام الاقتضائيّة المطلوب فيها الفعل ، وهي الواجب والمندوب.
والثالث والرابع : الأحكام الاقتضائيّة المطلوب فيها [ الكفّ ] الترك وهي الحرام والمكروه.
والخامس : الأحكام التخييريّة الدالّة على الإباحة.
والسادس : الأحكام الوضعيّة ، كالحكم على الشيء بأنّه سبب لأمر ، أو شرط له أو مانع منه ، والمضايقة بمنع أنّ الخطاب الوضعي داخل في الحكم الشرعي ممّا لا يضرّنا فيما نحن بصدده.
إذا عرفت ذلك ، فإذا ورد أمر بطلب شيء فلا يخلو إمّا أن يكون موقّتا أم لا. وعلى الأوّل : يكون وجوب ذلك الشيء أو ندبه في كلّ جزء من أجزاء الوقت ثابتا بذلك الأمر ، فالتمسّك في ثبوت ذلك الحكم في الزمان الثاني بالنصّ ، لا بالثبوت في الزمان الأوّل حتّى يكون استصحابا وهو ظاهر.
وعلى الثاني : أيضا كذلك إن قلنا بإفادة الأمر للتكرار ، وإلاّ فذمّة المكلّف مشغولة حتّى يأتي به في أيّ زمان كان ، ونسبة أجزاء الزمان إليه نسبة واحدة في كونه أداء في كلّ جزء منها ، سواء قلنا بأنّ الأمر للفور أم لا.
والتوهّم بأنّ الأمر إذا كان للفور يكون من قبيل المؤقّت المضيّق اشتباه غير خفيّ على