المرحلة الاولى :
في الشبهة المحصورة ، والخلاف فيها من حيث وجوب الاجتناب عن جميع أطراف الشبهة ، وجواز ارتكاب الجميع مطلقا ، أو تدريجا لا دفعة ، أو إلى أن ينفى مقدار الحرام ، أو إلاّ ما عيّنته القرعة معروف ، والأقوال الخمس المذكورة فيها معلومة ، ومبنى الخلاف في الجملة على حجّيّة العلم الإجمالي وعدمها ، ومقتضى حجّيّتة من أنّه وجوب الموافقة القطعيّة المستلزم لحرمة المخالفة القطعيّة ، أو حرمة المخالفة القطعيّة فقط مطلقا ، أو إذا كانت حاصلة في الارتكاب دفعة لا إذا كانت لازمة من التدريج. فمن يجوّز الارتكاب مطلقا يطرح العلم الإجمالي بزعم عدم حجّيته ، ومن يمنعه مطلقا يراه حجّة بالمعنى المتضمّن لوجوب القطع بالموافقة الّذي لا يتأتّى إلاّ باجتناب الجميع فيجب مقدّمة ، ومن يجوّز الارتكاب إلاّ في مقدار الحرام يجعل معنى حجّيّته حرمة المخالفة القطعيّة مطلقا ، ومن يجوّزه مع التدريج لا مع الدفعة يجعل مقتضى حجّيّته حرمة المخالفة القطعيّة الحاصلة مع الدفعة لا اللازمة من التدريج.
ومرجع هذا الخلاف إلى الإشكال في كون ما هو حرام في الواقع في مورد العلم الإجمالي حراما في الظاهر أيضا ، على معنى الحرمة الفعليّة الّتي يعصي المكلّف بارتكابه ويعاقب على مخالفتها وعدمه ، والأقوى هو الأوّل ، ومرجعه إلى كفاية العلم الإجمالي في تنجّز التكليف وفعليّة الحرمة ولازمه وجوب اجتناب الجميع مقدّمة ، لأنّ القطع بالموافقة لا يحصل إلاّ بذلك.
لنا : نفس الخطابات الواردة في تحريم العناوين المحرّمة ، فإنّ [ قول الشارع ](١) « حرّمت عليكم الخمر » مثلا يفيد كبرى كلّيّة وهو قولنا : « كلّ خمر حرام » وكما أنّه إذا علم تفصيلا خمريّة شيء يحرز به صغرى تنضمّ إلى هذه الكبرى الكلّيّة فليحصل بهما النتيجة قهرا وهي حرمة ذلك الشيء حرمة فعليّة ، فكذلك إذا علم خمريّة شيء إجمالا يحرز به الصغرى المذكورة ، وإذا انضمّت إلى الكبرى الكلّيّة كانت النتيجة الحاصلة منهما الحرمة الفعليّة لذلك الشيء المعلوم بالإجمال لا محالة.
والفرق بين صورتي العلم التفصيلي والعلم الإجمالي في كفاية الأوّل في تنجّز التكليف وعدم كفاية الثاني ـ الّذي مرجعه إمّا إلى القدح في الصغرى المذكورة أو إلى منع
__________________
(١) وفي المصدر « قوله تعالى » بدل « قول الشارع » وهو سهو منه قده ، لأنّ ما ذكر عقيبه ليست بآية من القرآن الكريم ولذا صحّحناه بما في المتن.