احتجّ المرتضى رضى الله عنه*
______________________________
وجدانه باعتبار أنّ الصلاة المتشاغل بها مانع شرعي عن استعماله ، والمانع الشرعي كالمانع العقلي ، فالتمكّن من استعماله غير حاصل أو لا يستمرّ؟ وهذا شكّ من جهة المقتضي لعدم معلوميّة مقدار الاستعداد للبقاء.
* والأنسب تقديم حجج القول بحجّية الاستصحاب ثمّ التعرّض لبيان حجج النافين. ولمّا ظهر من تضاعيف كلماتنا السابقة أنّ لهم في الاستصحاب طريقتين من حيث العقل ومن حيث التعبّد الشرعي من جهة الأخبار ، فالكلام في تحقيقه يقع في مقامين :
المقام الأوّل : في اعتباره إثباتا ونفيا من جهة العقل.
فنقول : احتجّ المثبتون بوجوه :
أوّلها : ما اعتمد عليه المحقّق في المعارج (١) من أنّ المقتضي للحكم الأوّل ثابت والعارض لا يصلح رافعا له فيجب الحكم بثبوته في الثاني ، أمّا أنّ المقتضي للحكم الأوّل ثابت فلأنّا نتكلّم على هذا التقدير ، وأمّا أنّ العارض لا يصلح رافعا فلأنّ العارض إنّما هو احتمال تجدّد ما يوجب زوال الحكم لكن احتمال ذلك يعارضه احتمال عدمه ، فيكون كلّ واحد منهما مدفوعا بمقابله ، فيبقى الحكم الثابت سليما عن رافع.
وفيه : من الضعف ما لا يخفى ، فإنّ المقتضي للحكم الأوّل ـ أي الحكم في الآن الأوّل ـ إمّا أن يراد به علّة الحكم الّتي هي واسطة في ثبوته كالتغيّر لنجاسة الماء ، والتيمّم لإباحة الدخول في الصلاة ووجوب المضيّ فيها ، أو دليله الّذي هو واسطة في إثباته وعلّة للعلم به كقوله عليهالسلام : « خلق الله الماء طهورا لا ينجّسه شيء إلاّ ما غيّر لونه أو طعمه أو رائحته (٢) » وقوله تعالى : ( فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً )(٣) مثلا. وعلى التقديرين فالمقتضي له إمّا أن اقتضى ثبوته مقيّدا بالآن الأوّل ، أو اقتضاه على وجه الدوام والاستمرار ، أو اقتضاه على وجه الإهمال من دون تعرّض لتقييده بالآن الأوّل ولا دوامه واستمراره.
والأوّل خروج عن محلّ الاستصحاب ، إذ لم يقل أحد من القائلين بالاستصحاب به في نحوه لانتفاء المقيّد بفوات قيده ، وثبوت مثله في الآن الثاني يحتاج إلى مقتض آخر ويستحيل استصحاب الحكم الأوّل إليه ، فبقي الاحتمالان الأخيران ، والفرق بينهما أنّ الدليل
__________________
(١) المعارج : ٢٠٦ ـ ٢١٠.
(٢) الوسائل ١ : ١٠١ ، الباب ١ من أبواب الماء المطلق ، ح ٩.
(٣) المائدة : ٦.