أيضا كما جاز حال العذر أو لا؟ ومنشؤه أنّه لا يدرى أنّ كونه مبيحا للصلاة بحسب جعل الشارع هل هو ما دام العذر أو ما لم يحدث شيء من الأحداث الناقضة له؟ ـ بل الكلام إنّما هو في الوضوء الاختياري وهو المؤثّر في الطهارة ورفع الحدث لا مجرّد الاستباحة وهو لا يقبل التقييد بما دام العذر حيث لا عذر ، بل هو مغيّا بغاية طروّ ما جعل رافعا للطهارة ، فنحن نقطع تأثير الوضوء في حدوث أمر مستمرّ إلى الأبد لو لا ما جعل رافعا له ، ومعه لا معنى لاستصحاب عدم جعله سببا للطهارة بعد المذي ، لو لا المذي في الواقع ممّا جعل رافعا له ، بل لو كان رافعا له في الواقع لا معنى لذلك الاستصحاب أيضا ، لوضوح الفرق بين استناد ارتفاع الشيء إلى طروّ رافع له وبين استناده إلى عدم استعداده للبقاء لقصور مؤثّره في تأثيره بحسب جعل الشارع ، وما نحن فيه من قبيل الأوّل واستصحاب عدم الجعل من قبيل الثاني ، فلا يجري فيه إلاّ استصحاب الوجود الّذي عبّر عنه باستصحاب حال الشرع ، ويعضده استصحاب حال العقل الآخر وهو استصحاب عدم تحقّق ما جعله الشارع رافعا ، أو استصحاب [ عدم ] كون المتحقّق بحيث جعله الشارع رافعا ، فليتدبّر فإنّ المقام دقيق والطريق خفيّ.
ومن التفاصيل ما حكاه المحقّق الخوانساري في شرح الدروس (١) واستظهره بعض الأعلام (٢) من المحقّق السبزواري (٣) من الفرق بين الامور الخارجيّة مثل حياة زيد ورطوبة ثوبه ويبوسة بدنه والأحكام الشرعيّة بالحجّية فيها دون الامور الخارجيّة ، تمسّكا بعدم ظهور شمول الأخبار لها ، لبعد أن يكون مراد المعصوم الّذي وظيفته بيان الأحكام الشرعيّة بيان الحكم لهذه الامور. وربّما يحتمل في مراد هذا القائل من عدم حجّيّة الاستصحاب في الامور الخارجيّة وجهان :
أحدهما : ما كان المستصحب من الامور الخارجيّة وإن كان منشأ لحكم شرعي ، كالرطوبة الّتي هي منشأ لنجاسة الملاقي للنجس ، فيراد بالأحكام الشرعيّة الّتي يجوز استصحابها ما كان المستصحب حكما شرعيّا جزئيّا ، كما لو كانت الشبهة في بقائه وارتفاعه موضوعيّة ناشئة عن اشتباه الأمر الخارجي أو كلّيا كما لو كانت الشبهة حكميّة.
وثانيهما : ما كان منشأ الشكّ فيه من الامور الخارجيّة وإن كان المستصحب حكما شرعيّا ، فيراد بالأحكام الشرعيّة حينئذ ما لم يكن منشأ الشكّ في بقائه أمرا خارجيّا ،
__________________
(١) مشارق الشموس : ٧٦.
(٢) القوانين ٢ : ٦٣.
(٣) راجع ذخيرة المعاد : ١١٥ ـ ١١٦.