اليد عن العمل في كثير من الواجبات وجميع المندوبات والمباحات والمكروهات ، فلا يبقى إلاّ بعض الواجبات وهو بالقياس إلى غيره ليس إلاّ كشعرة بيضاء في بقرة سوداء ، فما شكّ في بطلانه لم يصدق على رفع اليد منه الابطال بالمعنى الثاني.
المطلب الخامس
في استصحاب الاشتغال حيث يجري قاعدة الاشتغال ممّا شكّ فيه في البراءة بعد اليقين باشتغال الذمّة ، واستصحاب البراءة حيث يجري أصالة البراءة ممّا شكّ فيه في التكليف ولو باعتبار اوله من المكلّف به إليه.
واعلم : أنّ الشكّ في البراءة في مجرى قاعدة الاشتغال إمّا أن يكون ناشئا من الشكّ في حصول المبرئ للذمّة ، أو من الشكّ في مبرئيّة الحاصل ، أو من الشكّ فيما اشتغلت به الذمّة من أوّل الأمر ، بأن يكون بحيث يجري فيه تقديران يحصل البراءة على أحدهما ولا تحصل على الآخر.
ومن أمثلة الأوّل ما لو شكّ في الاتيان بصلاة الظهر أو العصر مثلا بعد يقين الاشتغال بهما.
ومن أمثلة الثاني ما لو شكّ في كون فعل الصبيّ في صلاة الميّت بعد وجوبها على المكلّف عينا أو كفاية مسقطا لتكليف المكلّف ومبرءا لذمّته وعدمه ، ونحوه زكاة الفطر الّتي أدّاها الضيف عن نفسه في موضوع وجوبها على المضيف ، أو أدّاها المضيف عن الضيف في موضوع وجوبها عليه.
ومن أمثلة الثالث ما لو أتى يوم الجمعة بالظهر فقط أو الجمعة وحدها في موضع اشتباه المكلّف به المردّد بينهما ، ونحوه الاتيان بالصلاة خالية عن السورة ممّن اشتبه عليه الحكم الشرعي بالنسبة إلى جزئيّة السورة وعدمها ، ونحوه المأمور بعتق الكفّارة حال القدرة على المؤمنة إذا لم يأت به حتّى تعذّر عتق المؤمنة عند الشكّ في شرطيّة الإيمان وعدمها ، والأوّل لزمه في الصورة المفروضة براءة الذمّة والثاني لزمه بقاء الاشتغال.
ولا ريب في جريان قاعدة الاشتغال في جميع هذه الصور ، كما لا ريب في جريان استصحاب الاشتغال فيها ، كما أنّه لا ريب في جريان أصالة البراءة في غسل الجمعة المشكوك في وجوبه ولا في جريان استصحاب البراءة الأصليّة الثابتة فيه قبل البلوغ أو حال الجنون ، إلاّ أنّ الغرض من عقد هذا البحث بيان الاستغناء بالقاعدة والأصل عن الاستصحاب ،