مع انحصار الأشياء فيهما ، فلا يندرج فيهما محلّ البحث.
أمّا أوّلا : فلأنّ مفاد الأصل بعد ثبوته ليس إلاّ الإباحة الظاهريّة ، وهي المجعولة للجاهل بحكم الواقعة من حيث كونه جاهلا ، مع إمكان منعها أيضا ، بل القدر المسلّم من مفاده إنّما هو خلوّ ذمّة المكلّف عن التكليف المشكوك فيه مع بقاء احتمال كون الحكم المجعول للواقعة من حيث هي هو الحرمة.
وأمّا ثانيا : فلأنّ الأشياء عندنا خمسة أقسام : ما علمنا حرمته ، وما علمنا إباحته ، والمحرّم الواقعي ، والمباح الواقعي ، وما يتردّد بينهما. وظاهر أنّ ما نحن فيه من قبيل القسم الأخير ، وهو كما لا يدخل فيما علم حرمته كذلك لا يدخل فيما علم إباحته أيضا.
ويرد على الثاني : أنّ عدم وجود شيء في المحرّمات المفصّلة لمن علمها بالتفصيل دليل علمي على عدم الحرمة واقعا ، والمفروض في محلّ البحث عدم العلم بتفاصيل المحرّمات الواقعيّة ، ولا ريب أنّه لا يلزم بمجرّد عدم وجوده فيما علمناه من المحرّمات عدم الحرمة واقعا ولا ظاهرا.
أمّا الأوّل : فلجواز كونه من المحرّمات الواقعيّة الغير المعلومة لنا.
وأمّا الثاني : فلعدم كون الآية في معرضه.
ومن السنّة : ما تقدّم من الروايات في المطلب الأوّل مضافة إلى روايات اخر :
منها : ما رواه الصدوق في الفقيه مرسلا واستدلّ به على جواز القنوت بالفارسيّة من قوله عليهالسلام : « كلّ شيء مطلق حتّى يرد فيه نهي (١) » وهذا أوضح روايات وأدلّها على المطلب بل نصّ فيه عند التحقيق ، فإنّ الإطلاق في قوله عليهالسلام : « مطلق » عبارة عمّا يقابل النهي ، وإنّما اطلق عليه الإطلاق لأنّه بحسب العرف عبارة عن حالة منتزعة عن الشيء باعتبار عدم ورود قيد به ، والتكليف الإلزامي بالشيء كائنا ما كان قيد فيه ، فالإطلاق المقابل للنهي عبارة عن خلوّ الشيء عن قيد التكليف الإلزامي بالترك ، أو عن الرخصة في فعله وتركه لتضمّنها الخلوّ عن القيد المذكور.
فقوله عليهالسلام : « مطلق » يراد به أنّه خال عن هذا القيد ، أو أنّه مرخّص في فعله وتركه. ومبنى الاحتمالين على كون قضيّة الرواية إخبارا فيحمل على إرادة الأوّل ، أو إنشاء وهو الأظهر فيحمل على إرادة الثاني.
__________________
(١) الفقيه ١ : ٣١٧.