المطلب الثاني
في الشبهة الحكميّة التحريميّة
لفقد النصّ أو إجماله ، وإنّما قيّدناها بالحكميّة لعدم دخول الموضوعيّة في الخلاف الآتي مطلقا ، ووجه التقييد بفقد النصّ أو إجماله لما أشرنا إليه من أنّ في تعارض النصّين خلافا آخر تحقيقه موكول إلى محلّه ، ولهم في الخبرين المتعارضين بالحظر والإباحة كلام آخر ، والمشهور تقديم الحاظر على المبيح ، وتحقيق ذلك أيضا موكول إلى محلّه ، والكلام في هذا المقام مقصور على ما نشأت الشبهة عن أحد الأمرين مع دوران الأمر بين التحريم وغير الوجوب ، من كراهة أو إباحة أو ندب كشرب التتن ونحوه.
وقد اختلف فيه أصحابنا ، فالمجتهدون منهم على عدم وجوب الاجتناب الّذي يعبّر عنه تارة بالبراءة واخرى بالإباحة ، ولعلّهما عبارتان عن معنى واحد ، بأن يكون الاختلاف بينهما في مجرّد اللفظ دون المعنى مفهوما ومصداقا ، بناء على أنّ البراءة عبارة عن خلوّ ذمّة المكلّف عن التكليف التحريمي المشكوك فيه ، والإباحة من المباح بمعنى ما لا حرج في فعله ، وعدم الحرج في فعل الشيء عبارة اخرى عن خلوّ الذمّة عن التكليف المشكوك فيه.
ويحتمل تغايرهما معنى أيضا بحسب المفهوم ، بأن يراد من الإباحة ما هو اللازم العقلي للبراءة بمعنى خلوّ الذمّة ، فإنّه يلزمه التسوية بين الفعل والترك عقلا ، فهما مفهومان متلازمان ، وقد عبّر بعضهم بأحد المتلازمين والآخر بالمتلازم الآخر.
ويحتمل أن يراد بالإباحة التسوية بين الفعل والترك بالمعنى الإنشائي الّذي جعله الشارع للواقعة بملاحظة الاشتباه واحتمالها التحريم ، كما ربّما يوهمه التمسّك بقوله عليهالسلام : « كلّ شيء مطلق حتّى يرد فيه نهي (١) » بناء على أن يكون معنى « مطلق » أنّه ما لم يعلم ورود النهي فيه مخيّر فيه بين الفعل والترك ، على معنى أنّ حكمه المجعول هو التخيير بينهما.
والأخباريّون منهم على وجوب الاجتناب الّذي قد يعبّر عنه بوجوب التوقّف على معنى الوقوف عن الفعل.
واخرى بوجوب الاحتياط من الاتّقاء المرادف للاجتناب ، كما يقول الطبيب للمريض : إحتط.
وثالثة بالتحريم الظاهري ، على معنى أنّ الحكم الشرعي الّذي ظهر من الشارع لمشتبه الحكم المحتمل للحرمة بمقتضى الأدلّة الشرعيّة من أخبار الاحتياط وغيرها هو التحريم ،
__________________
(١) الوسائل ٤ : ٩١٧ ، الباب ١٩ من أبواب القنوت ، ح ٣. الفقيه ١ : ٣١٧.