بمعنى عدم الحرج في فعله. وما يقال : من أنّ الأصل في اللحوم الحرمة ، فإنّما يسلّم في اللحوم الجزئيّة المشتبهة بشبهة الموضوع باعتبار الشكّ في وقوع التذكية عليه وعدمه ، كاللحم المطروح أو المأخوذ من يد كافر ونحوه ، ممّا انتفى فيه يد المسلم وسوقه ، ولم يوجد فيه أثر يد المسلم أيضا. ومنه الجلد المطروح ونحوه ، ممّا يعتبر في حلّيّته التذكية من أجزاء الحيوان المأكول لحمه ، لعدم جريان أصل البراءة فيه ، لوجود أصل موضوعي وارد عليه وهو أصالة عدم التذكية. وأمّا اللحوم الكلّية المشتبهة بشبهة الحكم فهذا الأصل ممّا لا أصل له فيها ، إلاّ باعتبار وجوب الاحتياط الّذي منعناه رأسا.
وإذا انجرّ الكلام إلى هذا المقام فاعلم : أنّ لثاني الشهيدين في الروضة كلاما في مسألة الحيوان المتولّد من طاهر ونجس الّذي لم يلحق بأحدهما في الاسم ، ولم يكن له مماثل في الخارج ، المختلف في طهارته ونجاسته حيث قال : « وإن انتفى المماثل فالأقوى طهارته ، وإن حرم لحمه للأصل فيهما (١) ومراده بالأصل في الأوّل أصالة الطهارة الثابتة بالنصّ والإجماع ، ولا إشكال فيه ، وإن كان قد يناقش فيه باستصحاب النجاسة له في بطن الامّ قبل ولوج الروح ، بناء على أنّ ولوج الروح فيه ليس كاستحالة النطفة حيوانا من تبدّل الموضوع.
وفيه أوّلا : منع نجاسة هذا الحيوان في الحالة المذكورة ، إذ لا جهة له إلاّ كونه ميتة أو جزءا مبانا من الحيّ لا تحلّه الحياة ، والكلّ موضع منع ، لأنّه إنّما يسلّم أحد الأمرين إذا سقط قبل ولوج الروح ، وأمّا هو ما دام في بطن امّه وإن لم يصدق عليه الحيّ قبل ولوج الروح إلاّ أنّه لا يصدق عليه الميتة أيضا ولا أنّه جزء مبان من الحيّ ، لأنّ لحياة الامّ علاقة ومدخليّة ولذا ينموا يوما فيوما ، وأمّا إذا خرج بعد ولوج الروح ، فهو حيّ لم يسبقه حالة نجاسة إلاّ حال كونه نطفة وقد خرج عنها بالاستحالة.
وثانيا : بطلانه لتبدّل موضوع المستصحب على تقدير تسليم نجاسته في الحالة المذكورة ، لأنّه كان ميتة وقد صار حيّا ، وإجراء حكم الميتة في الحيّ كما ترى ، فالاستصحاب المتوهّم غير معقول إمّا لمنع الحالة السابقة ، أو لمنع بقاء موضوع المستصحب.
وأمّا الأصل في الثاني فقد يعترض عليه : بأنّ كلامه هاهنا لاستناده بذلك الأصل ينافي كلامه في باب الأطعمة والأشربة ، لبنائه ثمّة على حلّية الأشياء استنادا إلى أصالة الحلّ في الأشياء. (٢)
ويمكن الذبّ عنه : بالتزام خروج اللحوم عن هذا الأصل بانقلابه إلى أصل ثانوي
__________________
(١) الروضة البهيّة ١ : ٢٨٥ ـ ٢٨٦ ، وتمهيد القواعد : ٢٧٠.
(٢) الروضة البهية ٧ : ٣٢١.