الفريقين لجريان ما ذكر من حديث الانصراف فيها أيضا.
وأمّا حديث اشتراط التكليف بالعلم بتوجّه الخطاب تفصيلا فهو رجوع إلى نظير هذه الدعوى في أصل مسألة الشبهة المحصورة وقد زيّفناها ومحصّله : عدم الفرق في شرط التكليف بين العلم بالحكم الواقعي تفصيلا أو إجمالا بعد التمكّن من العلم التفصيلي ، ولا بين العلم بموضوعه تفصيلا أو إجمالا بعد التمكّن من الامتثال ، وهو متحقّق فيما نحن فيه بالنسبة إلى جميع الأمثلة ونظائرها.
غاية الأمر أنّ المعلوم بالاجمال في جميعها أو بعضها أحد الخطابين ، فيكون نظير الخطاب المردّد بين قوله : « اجتنب عن الخمر ، واجتنب عن المغضوب » في واقعة إناء وثوب مثلا يعلم المكلّف كون الأوّل خمرا أو الثاني مغصوبا ، وهو كاف في تنجّز مدلول هذا الخطاب المعلوم بالإجمال أو انعقاده تكليفا فعليّا.
ولا ريب أنّه يقتضي الامتثال والخروج عن العهدة ، ولا يتمّ اليقين به إلاّ باجتناب الجميع.
ولكن ينبغي أن يعلم أنّها إذا اضطرّت ولو عادة إلى ارتكاب أحد الأمرين كما يتّفق كثيرا في مسألة اللباس من عدم المندوحة لها عن لباس أحد الفريقين ، وحينئذ جاز لها لبس أحدهما على وجه التخيير بدوا ، فإذا اختارت أحدهما وجب الاجتناب عن الآخر على وجه الاستمرار.
وينبغي أن يعلم أيضا أنّ المحرّم في مسألة التزويج والتزوّج أحد الأمرين من وطئها الغير أو تمكينها من وطء الغير إيّاها لا مجرّد إجراء العقد عليها.
المرحلة الثانية : في الشبهة الغير المحصورة ، وربّما يشتبه الفرق بينها وبين المحصورة فيصعب على النظر تشخيص مصاديق إحداهما عن الاخرى ، ولذا أحاله جمع من الأصحاب إلى نظر الفقيه ، فما ترجّح عنده كون الشبهة فيه محصورة يلحق به حكمها ، وما ترجّح عنده كونها فيه غير محصورة يلحقه حكمها ، وما لم يترجّح في نظره شيء يرجع في حكمه إلى القواعد والاصول.
وهذا أحسن من إحالة التشخيص فيهما إلى العرف ، كما قد يسبق إلى الوهم ويستشمّ من بعض العبائر ، بضابطة : أنّه المرجع في معرفة موضوعات الأحكام ، فكلّما سمّاه أهل العرف بالشبهة المحصورة يجري عليه أحكامها ، وكلّما سمّوه بالشبهة الغير المحصورة يلحقه أحكامها ، لأنّه يضعّف : بعدم كون هذين العنوانين من الألفاظ الواردة في الكتاب