ثبوته في زمان سابق الّذي هو الاستصحاب بالمعنى الّذي يقول به القوم غير ثابت ، لأنّ ثبوت حكم في زمان لا يقتضي ثبوته في زمان آخر ، فإثبات الحكم في وقت بعد ثبوته في وقت سابق عليه لا بدّ له من دليل ، وهو إمّا دليل الحكم الأوّل أو دليل آخر خارج عنه ، والأوّل باطل لخروجه عن مورد الاستصحاب فتعيّن الثاني.
وحينئذ نقول : إنّ الحكم الّذي دلّ الدليل على ثبوته في الآن الثاني ـ الّذي هو زمان الشكّ ـ ما دلّ الدليل على استمراره إلى غاية معيّنة وشكّ في حصول الغاية أو صدقها على الحاصل ، فخرج صور الشكّ باعتبار المقتضي والشكّ في المانعيّة من صور الشكّ في المانع. والدليل القائم على الحجّية في الصورتين أمران :
أحدهما : قاعدة الاشتغال كما في وجوب صيام نهار رمضان عند الشكّ في دخول الليل ، فيجب إمساك زمان الشكّ تحصيلا ليقين البراءة بعد اليقين بالاشتغال.
ولا خفاء في ضعفه. أمّا أوّلا : فلعدم نهوض قاعدة الاشتغال لإثبات الاستصحاب أصلا لعدم كونها بعينها الاستصحاب ، نظرا إلى أنّها أصل برأسه مقابل للاستصحاب ، فهما أصلان متقابلان اخذ في أحدهما ملاحظة الحالة السابقة دون الآخر ، ولا أنّ مؤدّاها الاستصحاب ، لوضوح الفرق في المثال المتقدّم بين وجوب إمساك زمان الشكّ على أنّه الحكم الأوّل الّذي حكم ببقائه في زمان الشكّ ، وبين وجوب إمساكه على أنّ الإمساك في زمان الشكّ مقدّمة ليقين البراءة الواجب تحصيله فيجب مقدّمته ، ضرورة أنّ الوجوب المقدّمي ليس هو الوجوب الأوّل الأصلي وإن اعتراهما وصف الظاهريّة باعتبار دخول الشكّ في موضوعيهما.
وأمّا ثانيا : فلعدم اطّراد هذه القاعدة ، وعدم جريانها في جميع فروض الصورة المفروضة المدّعى حجّيّة الاستصحاب فيها بالخصوص ، بل عدم جريانها إلاّ في بعض الفروض النادرة ، وذلك أنّها في جريانها مشروطة بكون المورد من موارد التكليف الإلزامي ، وكون الشكّ في المكلّف به ، وعدم أوله إلى الشكّ في التكليف ، وإمكان الاحتياط بعدم دوران الأمر بين المحذورين. وهذه الشرائط فيما اريد إثبات استصحابه بتلك القاعدة لا تجتمع إلاّ في صورة واحدة ، وهي ما لو كان الحكم الّذي دلّ الدليل على استمراره إلى غاية معيّنة تكليفا إلزاميّا ـ من وجوب أو حرمة ـ وتعلّق بفعل واحد لوحظ لجميع أجزائه المتعاقبة على حسب تعاقب أجزاء الزمان المستمرّ إلى غاية كذا موضوعا واحدا ، على وجه يكون كلّ من التكليف والمكلّف به واحدا ، وشكّ بسبب الشكّ في دخول الغاية في