التحقيق يرجع اليهما فينحصر في الأخيرين ، وعلى التقديرين فيثبت ما رمناه.
أمّا على الأوّل : فلأنّه إذا كان أمر أو نهي بفعل إلى غاية معيّنة مثلا فعند الشكّ في حدوث تلك الغاية لو لم يمتثل التكليف المذكور لم يحصل الظنّ بالامتثال والخروج عن العهدة ، وما لم يحصل الظنّ لم يحصل الامتثال ، فلا بدّ من بقاء التكليف حال الشكّ أيضا وهو المطلوب.
وأمّا على الثاني : فالأمر أظهر كما لا يخفى.
وثانيهما : ما ورد في الروايات من أنّ اليقين لا ينقض بالشكّ.
فإن قلت : هذا كما يدلّ على المعنى الّذي ذكرته كذلك يدلّ على المعنى الّذي ذكره القوم لأنّه إذا حصل اليقين في زمان فلا ينبغي أن ينقض في زمان آخر بالشكّ نظرا إلى الروايات ، وهو بعينه ما ذكروه.
قلت : الظاهر أنّ المراد من عدم نقض اليقين بالشكّ أنّه عند التعارض لا ينقض ، والمراد بالتعارض أن يكون شيء يوجب اليقين لو لا الشكّ ، وفيما ذكروه ليس كذلك لأنّ اليقين بحكم في زمان ليس ممّا يوجب حصوله في زمان آخر لو لا الشكّ وهو ظاهر.
فإن قلت : هل الشكّ بكون الشيء مزيلا للحكم مع العلم بوجوده كالشكّ في وجود المزيل أو لا؟
قلت : فيه تفصيل ، لأنّه إن ثبت بالدليل أنّ ذلك الحكم مستمرّ إلى غاية معيّنة في الواقع ثمّ علمنا صدق تلك الغاية على شيء وشككنا في صدقها على شيء آخر ، فحينئذ لا ينقض اليقين بالشكّ ، وأمّا إذا لم يثبت ذلك بل ثبت أنّ ذلك الحكم مستمرّ في الجملة ومزيله الشيء الفلاني وشككنا في أنّ الشيء الآخر مزيل له أم لا؟ فحينئذ لا ظهور في عدم نقض الحكم وثبوت استمراره ، إذ الدليل [ الأوّل ] غير جار فيه لعدم ثبوت حكم العقل في هذه الصورة ، خصوصا مع ورود بعض الروايات الدالّة على عدم المؤاخذة بما لا يعلم.
والدليل الثاني الحقّ أنّه لا يخلو من إجمال ، وغاية ما يسلّم منها ثبوت الحكم في الصورتين اللتين ذكرناهما وإن كان فيه أيضا بعض المناقشات ، لكنّه لا يخلو عن تأمّل (١) للدليل الأوّل » انتهى ما أردنا نقله من كلامه قدسسره (٢).
وملخّص ما أفاده بطول كلامه : أنّ الاستصحاب بمعنى إثبات حكم في زمان لمجرّد
__________________
(١) وفي المشارق المطبوع بالحجر هكذا : « لكنّه لا يخلو عن تأييد للدليل الأوّل ».
(٢) مشارق الشموس : ٧٦.