وأمّا الثالث : فلأنّ الآثار المترتّبة على اليقين بأسرها من قبيل الأحكام الشرعيّة والأحكام العقليّة ورفعها عبارة عن نسخها ، وهو أيضا ليس من مقدورات المكلّف ليصحّ تكليفه بعدمه ، بل المقدور له إنّما هو رفع اليد عن اليقين السابق بترك العمل على مقتضاه وعدم ترتيب الأحكام المترتّبة عليه في الواقعة ، وهذا ممّا يصحّ تعلّق الخطاب به والنهي عنه ومحصّله : وجوب العمل بمقتضاه وترتيب آثاره وأحكامه ، وقضيّة ذلك حمل « النقض » على إرادة هذا المعنى وإن كان مجازيّا.
وقد يتوهّم أنّ ذلك يستدعي تصرفّا آخر في لفظ « اليقين » بحمله إمّا على إرادة المتيقّن تسمية للمتعلّق باسم المتعلّق ، أو على إرادة الأحكام والآثار تسمية للاّزم باسم الملزوم.
وظنّي أنّه ليس كما توهّم ، لأنّ نقض اليقين كناية عن رفع اليد عن اليقين المفروض حصوله قبل طروّ الشكّ ، على معنى ترك العمل على مقتضاه وعدم ترتيب أحكامه ، وهذا لا يقتضي تصرّفا في لفظ « اليقين » أصلا ، وطريق عدم رفع اليد عنه فرض القضيّة المشكوكة قضيّة متيقّنة وتنزيلها منزلتها ثمّ اجراء جميع ما كان يترتّب على القضية المتيقّنة من الآثار والأحكام على القضيّة المشكوكة.
فظهر أنّ الأقوى ما هو المعروف بين المتأخّرين من عموم الروايات بعد نهوض دلالتها على الاستصحاب لكلّ من الشكّ في المقتضي والشكّ في المانع بجميع أقسامه المتقدّمة ، وتوهّم اختصاصها بالثاني ليس على ما ينبغي ، لوروده على خلاف التحقيق ، وانتظر لزيادة تحقيق في ذلك عند الكلام على التفاصيل وتزييف حججها.
واستدلّ أيضا لا ثبات التعبّد بالاستصحاب بعدّة أخبار خاصّة واردة في موارد جزئيّة بتوهّم أنّها بمجموعها تدلّ عليه بقول مطلق ، كصحيحة عبد الله بن سنان قال : سأل أبي أبا عبد الله عليهالسلام وأنا حاضر ، أنّي اعير الذمّي ثوبي وأنا أعلم أنّه يشرب الخمر ويأكل الخنزير فيردّه عليّ ، فأغسله قبل أن اصلّي فيه؟ فقال أبو عبد الله عليهالسلام : « صلّ فيه ولا تغسله من أجل ذلك ، فإنّك أعرته إيّاه وهو طاهر ولم تستيقن أنّه نجّسه ، فلا بأس أن تصلّي فيه حتّى تستيقن أنّه نجّسه (١) ».
وموثّقة عبد الله بن بكير عن أبيه قال : قال أبو عبد الله عليهالسلام : « إذا استيقنت أنّك قد أحدثت
__________________
(١) الوسائل ٢ : ١٠٩٥ ، الباب ٧٤ من أبواب النجاسات ، ح ١.