المقتضي لثبوته ، واخرى على مطلق رفع اليد عن الأمر الغير الثابت ولو لعدم المقتضي له بعد الأخذ به ، والحقيقة هنا متعذّرة لانتقاض اليقين بنفسه بطروّ الشكّ ، ويجب حمله على أوّل المعنيين الآخرين لأنّه أقرب إلى الحقيقة ، فيخصّص متعلّقه بما من شأنه الاستمرار والاتّصال ، لأنّ الفعل الخاصّ يصير مخصّصا لمتعلّقة العامّ كما في قول القائل : « لا تضرب أحدا » ، فإنّ الضرب قرينة على اختصاص العامّ بالأحياء ولا يكون عمومه للأموات قرينة على إرادة مطلق الضرب عليه كسائر الجمادات (١).
أقول وتحقيق المقام : أنّ لا ينقض في قوله : « لا ينقض اليقين بالشكّ » وغيره من مرادفاته الواردة في الأخبار المذكورة باعتبار المادّة من الأفعال المسندة إلى المكلّف ، وحقيقة معناه وإن كان رفع الأمر الثابت ومنه فسخ البيع ، وهدم البناء ، وحلّ برم الحبل في « نقضت الحبل » ومنه قوله تعالى : ( لا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَها )(٢) ، ونواقض الوضوء باعتبار أنّها أسباب لنقض الطهارة ورفعها ، و [ لكن ] قد يطلق مجازا على رفع اليد عن شيء على معنى ترك العمل على مقتضاه وعدم ترتيب أحكامه وآثاره ومنه نقض العهد واليمين.
وباعتبار الهيئة تفيد اعطاء حكم تكليفي أو إرشادي إلى المكلّف الّذي عرضه الشكّ بعد اليقين ، فوجب كون متعلّقه وهو النقض مقدورا له ، وقضيّة ذلك أن لا يراد به رفع الأمر الثابت ، ولا رفع الأمر الّذي من شأنه الثبوت ، سواء كان ذلك الأمر الثابت أو الّذي من شأنه الثبوت هو اليقين أو المتيقّن الّذي هو حياة زيد وعدالته وغيرهما من الامور الخارجيّة ، ونجاسة الماء المتغيّر بالنجاسة ، ووجوب المضيّ في الصلاة على المتيمّم ، والطهارة والحدث وغيرها من الأحكام الشرعيّة الكلّية أو الجزئيّة ، أو آثار اليقين وأحكامه الّتي تضاف إليها باعتبار كونها من آثار المتيقّن وأحكامه لعدم اختيار للمكلّف في شيء من ذلك.
أمّا الأوّل : فلأنّ اليقين بمجرّد طروّ الشكّ ينتقض قهرا وليس بقاؤه وانتقاضه من آثار قدرة المكلّف ليصحّ تعلّق التكليف برفعه.
وأمّا الثاني : فلأنّ المتيقّن وهو الحالة السابقة في بقائه وارتفاعه يتبع وجود مقتضيه وانتفاء مانعه ، فهو على تقدير تحقّق الأمرين باق لا محالة ، وعلى تقدير عدم تحقّق أحدهما مرتفع لا محالة ، وليس شيء منهما من حيث هو مشكوك من آثار قدرة المكلّف ليصحّ خطابه بعدم نقضه ورفعه.
__________________
(١) فرائد الاصول ٣٩ : ٧٨ ـ ٧٩.
(٢) النحل : ٩٢.