فليمض على يقينه ، فإنّ اليقين لا يدفع بالشكّ (١) ».
وهذه الثلاث وإن كانت ضعيفة في الاصطلاح المتأخّر بارسال المرسل منها ، واشتمال سند المسند منها على القاسم بن يحيى الّذي ضعّفه العلاّمة في الخلاصة (٢) إلاّ أن يقال : بأنّ التضعيف المذكور لكونه من ابن الغضائري لا يعبأ به ، ورواية الأجلّة ومنهم أحمد بن محمّد بن عيسى عن هذا الرجل آية الاعتماد عليه ، بل في التعليقة (٣) أنّه آية وثاقته ، ومع ذلك فهي مع الروايات الاخر المتقدّمة باعتبار تكاثرها يتعاضد بعضها ببعض ، غير أنّ دلالتها على الاستصحاب عموما واضحة لا ينبغي الاسترابة فيه ، لظهور قوله عليهالسلام : « من كان على يقين فشكّ ، أو أصابه شكّ » في اليقين السابق والشكّ اللاحق ، وفي كونه عليهالسلام في مقام اعطاء قاعدة كلّية.
وتوهّم المناقشة فيها أيضا باعتبار ظهور « النقض » و « الدفع » في المناقضة والمدافعة الحقيقيّة ، وإنّما يتحقّق ذلك بين اليقين والشكّ إذا اتّحد موردهما زمانا ، بأن تكون الآثار السابقة المترتّبة على اليقين السابق مشكوكة باعتبار الشكّ في ثبوت الحالة السابقة ثمّة كما في صورة سريان الشكّ ، كعدالة زيد وصحّة عبادته إذا شكّ بعد الفراغ في أصل ثبوتها حين العمل بعد اليقين بها ، وظاهر عدم نقض اليقين بالشكّ في نحو هذه الصورة إنّما هو حفظ الآثار السابقة المترتّبة على اليقين السابق وهذا معنى آخر لا تعلّق له بالاستصحاب.
يندفع : بظهور قوله : « فليمض » في وجوب ترتيب الآثار المستقبلة لا مجرّد حفظ الآثار الماضية ، مع كون النقض الوارد في الأخبار إنّما يلاحظ بالنسبة إلى الآثار المستقبلة.
وهذه هي آخر الأخبار العامّة المستدلّ بها على الاستصحاب ، ولقد عرفت وضوح دلالة أكثرها عليه مطلقا أو في الجملة ، والظاهر عدم الفرق فيها بين ما لو كان الشكّ في بقاء الحالة السابقة باعتبار الشكّ في المقتضي أو باعتبار الشكّ في المانع كما هو المعروف بين المتأخّرين.
ومن مشايخنا من تأمّل فيه بالنسبة إلى الشكّ في المقتضي تبعا للمحقّق الخوانساري (٤) ، وأوضح وجهه بما ملخّصه : أنّ النقض حقيقة في رفع الأمر الثابت كما في نواقض الطهارة ، ويطلق مجازا تارة على رفع الأمر الغير الثابت الّذي من شأنه الثبوت والاستمرار لوجود
__________________
(١) البحار ٢ : ٢٧٢.
(٢) خلاصة الأقوال : ٢٤٨ / ٦.
(٣) تعليقة الوحيد البهبهاني : ٢٦٤.
(٤) مشارق الشموس : ٧٦.