العقل بقبحه فهو مع الشرع متطابقان.
ومن الفضلاء من توهّم عدم تناول عموم أخبار البراءة لما نحن فيه بقوله : « لا نسلّم حجب العلم في المقام ، لوجود الدليل على وجوب الأكثر وهو أصالة الاشتغال في الأجزاء والشرائط المشكوكة ».
ثمّ قال : « لأنّ ما كان لنا إليه طريق في الظاهر لا يصدق في حقّه الحجب قطعا ، وإلاّ لدلّت هذه الرواية على عدم حجّيّة الأدلّة الظنّية كخبر الواحد وشهادة العدلين وغيرهما » قال : « ولو التزم تخصيصها بما دلّ على حجّيّة تلك الطرق تعيّن تخصيصها أيضا بما دلّ على حجّيّة أصالة الاشتغال من عمومات أدلّة الاستصحاب ووجوب المقدّمة العلميّة.
ثمّ قال : والتحقيق التمسّك بهذه الأخبار على الحكم الوضعي وهي الجزئيّة والشرطيّة » انتهى (١).
وهذا كما ترى كلام ظاهريّ لا محصّل له ، إذ لا كلام في أنّ أصالة الاشتغال على تقدير جريانها طريق ظاهري لا يرجع معه إلى أصالة البراءة ولا العمومات الدالّة عليها ، وضابط جريانها العلم الإجمالي بالتكليف مع اشتباه المكلّف به وتساوي نسبته المعلوم بالإجمال إلى الطرفين ، بأن لا يكون أحدهما القدر المتيقّن من مورد التكليف كما في المتبائنين. وحينئذ لا معنى لأصالة البراءة لأنّه إمّا أن يقصد باعماله نفي الواقع أو نفي طرفيه أو نفي أحدهما على التعيين أو على التخيير ، والأوّل محال بالفرض ، وكذلك الثاني حذرا عن المخالفة القطعيّة ، بل الثالث أيضا لاستحالة الترجيح بلا مرجّح ، والرابع ليس من محتملات المقام لعدم دوران الأمر بين التعيين والتخيير ، فلا محيص من الرجوع إلى أصالة الاشتغال. وليست الحال في مسألة دوران المكلّف به بين الأقلّ والأكثر كذلك ، لعدم تساوي نسبته إلى طرفيه ، لوجود القدر المتيقّن الموجب لانحلال الأمر إلى علم تفصيلي وشكّ تفصيلي ، فلا مجرى لأصالة الاشتغال بالنسبة إلى القدر الزائد المشكوك فيه. فلا يلزم من الرجوع إلى أصل البراءة والعمل على الرواية الواردة فيه طرح شيء من الطرق الظاهريّة إلى وجوب الأكثر ، ولا يلزم بذلك دلالة الرواية على عدم حجّيّة الأدلّة الظنّية لأنّها حيثما وجدت كان دليل حجّيتها حاكما على الرواية وغيرها من أدلّة أصل البراءة ، فلا يجري فيه الأصل ولا يتناوله عموم دليله ، كما هو كذلك حيث كانت أصالة الاشتغال جارية ، فلا يتفاوت الحال حينئذ بين التمسّك بهذه الأخبار على نفي الحكم الوضعي وهو
__________________
(١) الفصول : ٥١.