قال المحقّق البهبهاني قدسسره في التاسعة من فوائده : وأيضا إجماع المسلمين على أنّه في نفسه ليس بحجّة ، ولذا كلّ من يقول بحجّيّة ظنّ يقول بدليل ، فإنّ تمّ وإلاّ فينكر عليه ويقال بعدم الحجّيّة ، ـ إلى أن قال ـ : وأيضا ظنّ الرجل أمر وحكم الله أمر آخر وكونه هو بعينه أو عوضه محتاج إلى دليل حتّى يجعل هو إيّاه أو عوضه (١).
وعنه في بعض رسائله : من « كون عدم الجواز بديهيّا عند العوامّ فضلا عن العلماء (٢) » ونقل الضرورة ربّما يكون أقوى من نقل الإجماع كما نبّه عليه شيخنا الاستاذ عند تلمذّنا عنده.
وأمّا من العقل : فلتقبيح العقل المستقلّ من دان الله بما يجوّز فيه خلاف الواقع ، ويلتزم به على أنّه حكمه في الواقع من دون إذن منه فيه خصوصا ولا عموما ، وكذلك تقبيح العقلاء عبدا يلتزم في الامور الراجعة إلى مولاه من الأحكام والشرائع بما لا يعلم وروده منه بالخصوص ، ولا رخصة منه في الالتزام به على هذا الوجه.
وقد يقال : بأنّ منشأ هذا الحكم من العقل والعقلاء رجوع العمل بالآخرة إلى الترجيح من غير مرجّح ، لأنّه لو سئل العبد المذكور عن أنّه هل يحتمل عندك كون ما عليه مولاك على خلاف ما أخذته والتزمت به؟ لأجاب بنعم ، ثمّ لو سئل عن تساوي الاحتمالين ، فإن أجاب بنعم فيتوجّه إليه الذمّ من حيث ترجيحه أحد الطرفين المتساويين من غير مرجّح ، وإن أجاب بمرجوحيّة هذا الاحتمال ورجحان الاحتمال الآخر الّذي أخذ به بادّعاء كونه ظنّا ، سئل عن وجه العمل به مع احتمال كونه غير جائز عند مولاه ، فإن أجاب بالاحتمال المساوي توجّه إليه الذمّ المذكور ، لترجيحه أحد المتساويين من غير مرجّح ، وإن أجاب بالاحتمال الراجح نقل إليه الكلام إلى أن ينتهي إلى القطع بتجويز المولى وترخيصه في العمل به أو إلى الشكّ بمعنى تساوي الاحتمالين.
والأوّل خارج عن مفروض المقام وعن موضوع المسألة.
والثاني محقّق للمحذور المذكور من ترجيح أحد المتساويين ، وهذا هو مدرك ما اشتهر عندهم من أنّ الظنّ لا يثبت بالظنّ ، فإنّه يؤول بالآخرة إلى إثبات الظنّ بالشكّ ولا خفاء في استحالته.
فتقرّر : أنّ العمل بالظنّ في نفسه قبيح عقلا ومحرّم شرعا وهو المراد من أصالة التحريم في هذا الباب ، وقيد « في نفسه » احترازي يحترز به العمل به لدليل دلّ على إذن
__________________
(١) الفوائد الحائريّة ١ : ١٣٦.
(٢) الرسائل الاصوليّة : ١٢.