ولو سلّم أنّ أقلّ الطائفة جماعة يغلب فيها إفادة العلم ، ولكنّه لم يعتبر إنذار الجماعة بأجمعهم واحدا واحدا من القوم ، بأن يكون المراد لكلّ واحد جماعة يفيد إنذارهم العلم بالمنذر به ، بل المراد إنذار واحد من الطائفة واحدا من القوم على وجه التوزيع ، كما هو القياس في جمع قوبل جمعا آخر من إفادته التوزيع في متفاهم العرف ، وهو أن يأخذ كلّ واحد من آحاد أحد الجمعين واحدا من آحاد الجمع الآخر على حدّ قولك : « ركب القوم خيولهم » ومنه قوله عزّ من قائل : ( وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَ )(١) وقوله أيضا : ( وَآتُوا الْيَتامى أَمْوالَهُمْ )(٢) وقوله : ( وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ )(٣) وقوله : ( وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ )(٤) حيث يفيد الأوّل ركوب كلّ واحد فرسه ، والثاني إيتاء كلّ واحدة صداقها ، والثالث إيتاء كلّ يتيم ماله ، والرابع نكاح كلّ واحد ما نكح أبوه ، والخامس قتل كلّ واحد ولده ، وإذا وجب على كلّ واحد من القوم الحذر عقيب إنذار منذره ثبت حجّيّة غير الواحد ، لأنّ المنذر واحد وإنذاره خبر واحد.
وأمّا بيان أنّه تعالى أوجب الحذر فيقرّر من وجهين :
أحدهما : أنّ حقيقة الترجّي مستحيلة عليه تعالى ، إمّا لأنّها ملزومة للجهل ، أو الشكّ في حصول المترجّى وعدم حصوله ، أو لأنّ الترجّي مأخوذ من الرجاء وهو المحبّة وهي من مقولة الأعراض والمعاني الّتي لا تقوم به تعالى ، فتكون كلمة « لعلّ » منسلخة عن معنى الترجّي فتكون ظاهرة في إرادة الطلب وإن كانت مجازا فيه ، إمّا مجاز الاستعارة بأن تكون استعارة تمثيليّة ، وهي أن تشبّه صورة منتزعة عن مركّب بصورة اخرى منتزعة عن مركّب آخر ، فيستعمل اللفظ الموضوع للمشبّه به في المشبّه ، ففي الآية شبّه طلب الحذر من حيث إنّه قد يحصل المطلوب وقد لا يحصل برجائه من حيث إنّه قد يحصل المرجوّ وقد لا يحصل ، فاستعمل اللفظ الموضوع للثاني في الأوّل ، أو مجازا مرسلا من تسمية اللازم باسم الملزوم ، فإنّ الرجاء بمعنى المحبّة يستلزم مطلوبيّة المرجوّ ورجحانه.
فإذا دلّت كلمة « لعلّ » على طلب الحذر ورجحانه ثبت وجوبه ، إمّا للإجماع المركّب ، أو لما ذكره صاحب المعالم من « أنّه لا معنى لندب الحذر لأنّه مع قيام المقتضي له يجب
__________________
(١) سورة النساء : ٤.
(٢) سورة النساء : ٢.
(٣) سورة النساء : ٢٢.
(٤) سورة الإسراء : ٣١.