يعبّر عنه بوجوب العمل به ، وهو عبارة عن ترتيب آثار الواقع على متعلّق القطع أو الظنّ وهو المقطوع أو المظنون به ، والحجّيّة بمعنى وجوب المتابعة ليس بعين الحجّيّة بمعنى الدليليّة ولا من لوازمها ، لأنّ النسبة بينهما بحسب المورد عموم من وجه.
فالافتراق من الحجّيّة بمعنى الدليليّة في أحد المتعارضين حيث يرجّح عليه المعارض الآخر مثلا ، ومن الحجّيّة بمعنى وجوب المتابعة في القطع والظنّ ، ومن موارد اجتماعهما ظواهر الكتاب مثلا ، فيقال : « إنّها حجّة » قبالا لمن أنكر الحجّيّة كالأخباريّة ، فيمكن أن يراد بها الدليليّة ، في مقابلة من ينكر الحجّيّة بدعوى طروّ الإجمال لها كما عليه فرقة منهم ، كما يمكن أن يراد بها وجوب المتابعة ، في مقابلة من ينكر الحجّيّة بدعوى منع الشارع من العمل بها كما عليه طائفة منهم.
ثمّ قد ذكرنا سابقا أنّ « الدليل » يطلق شائعا على الأوسط وعلى قياسه « الحجّة » ، وهل يصحّ إطلاقها بهذا المعنى على القطع؟
قد يقال : بأنّ كون القطع حجّة غير معقول ، وعلّل ـ بما ملخّصه ـ أنّ الحجّة عبارة عن الوسط الّذي به يحتجّ على ثبوت الأكبر للأصغر ، فهي ممّا يوجب القطع بالمطلوب فلا تطلق على نفس القطع ، وهذا هو الّذي يساعد عليه ظاهر النظر ، لما عرفت من أنّ الحجّة بهذا المعنى عبارة عن الأمر المشترك بين موضوع المطلوب ومحموله ، والقطع إذعان للنسبة بينهما فيتغايران.
ولكنّ الّذي يقتضيه دقيق النظر هو أن يقال : بأنّ ذلك مبنيّ على دخول القطع في موضوع الحكم المقطوع به ، ووقوعه جزءا لذلك الموضوع ، فرجع الكلام إلى أنّ الأحكام الشرعيّة المثبتة بالأدلّة القطعيّة هل تثبت لموضوعاتها الواقعيّة ، أو لموضوعاتها المعلومة بالتفصيل؟ بدعوى دخول العلم في وضع ألفاظ موضوعات الأحكام ، أو بدعوى انصراف ألفاظها في خطابات الشرع إلى المعلومات بالتفصيل ، أو بدعوى قيام دليل من خارج على دخول العلم في الموضوع بحسب الجعل الشرعي.
ففي نحو قوله عزّ من قائل ( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ ) الخمر (١) إمّا أن تكون الحرمة المقطوع بها من جهة الآية ثابتة للخمر الواقعي ، أو للخمر المقطوع به بإحدى الاعتبارات الثلاث.
فعلى الأوّل يقال ـ في الاستدلال على حرمة خمر خارجي ـ : هذا خمر ، وكلّ خمر
__________________
(١) آية في سورة المائدة : ٣ وفي المصحف الشريف : i « حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ ... » فما في المتن سهو من قلمه الشريف.