مع كونها كافية في تحصيل الفقه.
فالاهمال المقصود بالبحث في المقام إنّما يتصوّر بالنسبة إلى ما زاد على القدر المذكور لا بالنسبة إلى ذلك القدر ، حتّى أنّه لو فرض قيام الكفاية بجميع الظنون والأمارات الموجودة في أيدينا اليوم ، فلا يمكن فرض الإهمال حينئذ أصلا ، لأنّ مقدّمات دليل الانسداد قائمة بما يتحصّل به الفقه من الظنون ، فلابدّ وأن يكون معقدها قدر الكفاية ولو كان هو الجميع ، وضابطه : كون الظنون بحيث لولا العمل بشيء منها لزم منه من المحاذير ما يلزم من البناء على الاصول في مكانه.
وعلى هذا فلو فرضنا أفراد الظنون والأمارات الموجودة بأيدينا اليوم ألفا ، وفرضنا قيام الكفاية بخمسمائة منها مثلا ، كان بحث الإهمال جاريا في الخمسمائة الاخرى لا في الخمسمائة الاولى.
وعلى ذلك يتفرّع البحث الآتي في ثبوت المرجّح لبعض الظنون على بعض ، حتّى يعيّن أشخاص قدر الكفاية بالمرجّح المفروض وجوده مع البعض وعدم ثبوته حتّى يعمّم الحجّيّة بالنسبة إلى القدر الزائد ، حذرا عن الترجيح بلا مرجّح.
وإذا عرفت هذا كلّه فاعلم : أنّ معنى الإهمال والكلّيّة هو أنّ العقل بملاحظة مقدّمات دليل الانسداد هل يحكم بوجوب العمل بالظنون على وجه تكون قضيّة حكمه مردّدة بين الكلّيّة والجزئيّة؟ أو يحكم بوجوب العمل بجميع الظنون على معنى [ حجّية ] كلّ ظنّ ، فتكون القضيّة كلّيّة؟
ومنشأ ذلك الإشكال اختلاف النظر في أنّ حكم العقل ها هنا هل هو من باب الكشف عن الوجوب المجعول للشارع وإدراكه ، نظير حكمه بوجوب ردّ الوديعة الّذي لا يكون إلاّ من باب الإدراك ، أو هو من باب الجعل وإنشاء الوجوب من قبله ، كحكمه بوجوب إطاعة الله في أوامره ونواهيه؟
فإن قلنا بالأوّل : فلا ينبغي الارتياب في الإهمال ، لأنّ العقل المدرك لحكم الشرع ليس عليه إدراك موضوع ذلك الحكم على جهة التفصيل ، بل يكفي إدراكه في الجملة ، ولذا كان موضوع وجوب العمل بالظنّ عند الشارع مردّدا في نظره بين كونه جملة من الظنون أو جميع الظنون.
وإن قلنا بالثاني : فلا يعقل فيه الإهمال ، على معنى كون حكم العقل في نظره قضيّة