وأمّا العقل : فيقرّر أيضا بوجوه بعضها ما لو تمّ كان مفاده حجّية خبر الواحد من حيث الخبريّة ، وبعضها ما لو تمّ لقضى بحجّيّة مطلق ما يفيد الظنّ الّذي منه خبر الواحد ، أو بحجّيّة الظنّ مطلقا أو في الجملة ، فيدخل فيه الظنّ الخبري.
أوّلها : حجّيّة العلم الإجمالي الّتي هي حكم عقلي الحاصل بصدور كثير من هذه الأخبار الّتي في أيدينا بل أكثرها ، من ملاحظة أحوال الرواة المحدّثين وأرباب التصانيف والكتب المعتمدة من المشايخ الثلاث ومن تقدّم عليهم ، وتتّبع تراجمهم المذكورة في الرجال وغيره وشدّة اهتمامهم في ضبط الحديث وتنقيحه وتنقيبه ، وتخليص كتبهم عن الأخبار المكذوبة ، وعدم إيداع أخبار الكتب المدسوس فيها في تلك الكتب ، واحترازهم عمّن يروي عن المجاهيل ويعتمد المراسيل وعن كتابه ورواياته ، حتّى أنّ أحمد بن محمّد بن عيسى أخرج البرقي عن قم لاتّهامهم إيّاه عنده بأنّه يروي عن المجاهيل ويعتمد المراسيل ، وقصّته معروفة ، إلى غير ذلك ممّا يقف عليه المتتبّع ، فإنّ هذه الامور وغيرها توجب العلم الإجمالي بصدور كثير من أخبار هذه الكتب بل جلّها ، وقضيّة حجّيّة العلم الإجمالي وجوب العمل بكلّ خبر يظنّ صدوره ، للتوصّل إلى العمل بالمعلومات بالإجمال.
لا يقال : هذا العلم الإجمالي معارض بالعلم الإجمالي بوجود أخبار كاذبة مدسوسة في كتب أصحاب الأئمّة ، من جعل الكذّابين ووضّاع الحديث على ما ورد في أخبار مستفيضة ، خصوصا أبي الخطّاب لعنه الله وأصحابه ، والمغيرة بن [ سعيد ](١) لعنه الله وأصحابه ، مثل ما ورد من أنّه عرض يونس بن عبد الله على سيّدنا أبي الحسن الرضا عليهالسلام ، كتب جماعة من أصحاب الباقر عليهالسلام والصادق عليهالسلام فأنكر منها أحاديث كثيرة أن يكون من أحاديث أبي عبد الله عليهالسلام ، وقال : إنّ أبا الخطّاب كذب على أبي عبد الله عليهالسلام وكذلك أصحاب أبي الخطّاب يدسّون الأحاديث إلى يومنا هذا في كتب أصحاب أبي عبد الله عليهالسلام (٢).
وما روي عن هشام بن الحكم أنّه سمع أبا عبد الله عليهالسلام « يقول : كان المغيرة بن [ سعيد ] لعنه الله يقول الكذب على أبي ، ويأخذ كتب أصحابه وكان أصحابه المستترون بأصحاب أبي يأخذون الكتب من أصحاب أبي ، فيدفعونها إلى المغيرة لعنه الله فكان يدسّ فيها الكفر
__________________
(١) وفي الأصل : « مغيرة بن سعد » والصحيح « مغيرة بن سعيد » كما اثبتناه فى المتن.
(٢) اختيار معرفة الرجال : ٢٢٤ ، رقم الترجمة ٤٠١.