الموجب لتردّد الفعل بين الواجب والمندوب ، سواء علم الرجحان بقصده التقرّب فيه أو بكونه بحسب النوع من قبيل العبادة المأخوذ فيها الرجحان ، فهل يجب التأسّي به هنا أو يثبت وجوب مثله في حقّنا بفعله أو لا؟ خلاف على أقوال. نقلها في المنية ، الوجوب نسبه إلى جماعة من الاصوليّين من العامّة ، والندب نسبه إلى الشافعي والجويني ، والإباحة نسبه إلى المالك ، والتوقّف نسبه إلى السيّد منّا والصيرفي والغزالي وجماعة من أصحاب الشافعي ، واختار هو كونه للقدر المشترك بين الوجوب والندب ، وعلّله : بأنّ التقرب إلى الله بالفعل رفع كونه مباحا ومحظورا ومكروها ، وخصوصيّة كلّ من الوجوب والندب لم يعلم قصدها على التعيين وكذلك في حقّ امّته (١).
أقول : ولعلّه رحمهالله إنّما لم يلتفت إلى أصالة النفي أو أصالة البراءة النافيتين للوجوب ليتعيّن الندب في حقّنا لخروجه عن موضوع البحث ، فإنّ المقصود إثبات حكم في حقّنا بفعل المعصوم ، وتعيّن الندب على تقدير الاستناد إلى الأصل يستند إليه لا إلى الفعل ، فتأمّل.
ولك أن تقول : إنّه لو احرز هنا كون وجه فعله هو الندب بضميمة أصالة النفي ـ كما تقدّم بيان كونه من طرق معرفة الوجه ـ يثبت الندب في حقّنا أيضا بفعله ، من دون حاجة إلى إعمال أصل آخر.
وكيف كان فالراجح في النظر القاصر في هذه المسألة ، ثبوت الندب في حقّنا بفعل المعصوم مع انضمام أصل إليه لنفي احتمال الوجوب في فعله أو في فعلنا.
المسألة التاسعة :
فيما إذا كان الفعل الصادر من المعصوم غير معلوم الوجه والرجحان ، ففي وجوب التأسّي أو ندبه أو إباحته وعدمه أقوال :
وقيل : بالندب ، ونسب إلى الشافعي والجويني.
وقيل : بالإباحة ، ونسب إلى المالكي.
وقيل : بالوقف ونسب إلى السيّد والشيخ في الذريعة والعدّة ، ويظهر من العلاّمة والعميدي في التهذيب (٢) والمنية (٣) ، وهو الأقوى ، إذ لو كان المقصود بالبحث هنا إثبات حكم
__________________
(١) منية اللبيب : ٢١٤.
(٢) تهذيب الاصول : ٥٣.
(٣) منية اللبيب : ٢١٤.