الإرادة ، وما قد يتّفق من عدم صدور الفعل مع وجود الداعي فإنّما ينشأ ذلك من ضعف الداعي ، لوضوح أنّ لدواعي الأفعال بحسب القوّة والضعف مراتب كثيرة ، وإنّما يؤثّر في تحقّق الإرادة وصدور الفعل بالاختيار إذا بلغ حدّ القوّة.
وبالجملة فكلّ من الإرادة بالمعنى المتناول لترك الإرادة والفعل المتناول للترك فعل اختياري ، إلاّ أنّ الأوّل من أفعال النفس والثاني من أفعال الجوارح وكلاهما من آثار القدرة والاختيار ، لأنّه في حال التردّد كما كان بحيث إن شاء اختار الفعل وإن شاء اختار الترك كذلك يكون بحيث إن شاء أراد الفعل وعزم عليه وإن شاء أراد الترك وجزم به ، إلاّ أنّه لا يختار ولا يريد إلاّ ما هو راجح في نظره بوجود المرجّح في جانبه والداعي إليه.
وإلى هذا كلّه أشار بعض الفضلاء بقوله : « أنّ علّية الفاعل لصدور الإرادة منه بقدرته واختياره تتمّ عند وجود الداعي المعتبر ، وعلّيته لصدور الفعل منه كذلك تتمّ عند وجود الإرادة » ـ إلى أن قال ـ : « إذا عرفت ذلك اتّضح عندك معنى قوله عليهالسلام : « لا جبر ولا تفويض ، بل أمر بين الأمرين » (١) فإنّ كون الدواعي الّتي تجري الأفعال الاختياريّة بحسبها موجودة في العبد بإيجاده تعالى على حسب ما فيه من الاستعداد الذاتي أو الكسبي يوجب نفي تفويض أمر الفعل إليه بالكلّية ، وصدور أفعاله منه على حسب تلك الدواعي بقدرته واختياره يوجب نفي إجباره تعالى عليها ، وأيضا كون أفعال العبد مستندة إلى إقداره تعالى له عليها حال صدورها منه يوجب نفي التفويض بمعنى استقلال العبد بها ، وصدورها منه بذلك الإقدار يوجب نفي الجبر لاستناده إلى قدرته المخلوقة فيه » انتهى (٢) والأصحّ الوجه الثاني.
وبالتأمّل في جميع ما قرّرناه يندفع الشبهة بسائر وجوه تقريرها ، فإنّ لزوم صدور الفعل ووجوبه من آثار القدرة والاختيار ، كما أنّهما من أجزاء العلّة التامّة لصدوره.
المقام الثاني
في أنّه إذا ثبت الحكم العقلي أعني الحسن والقبح اللذين أدركهما العقل فهل هو دليل على الحكم الشرعي ، على معنى ثبوت الملازمة بينهما بحيث ينحلّ إلى كبرى كلّية ، كما ينحلّ حكم العقل بالحسن والقبح إلى صغرى ضروريّة ، فينتظم قياس بطريق الشكل الأوّل هكذا : « ردّ الوديعة أو الظلم مثلا حسن أو قبيح عقلا ، وكلّ حسن أو قبيح عقلا واجب أو
__________________
(١) الكافي ١ : ١٦٠ ، ح ١٣.
(٢) الفصول : ٣٢٦.