والشكّ فيه مسبّب عن الشكّ في اعتماد المتكلّم على القرينة وعدمه ، فالكلام فيه كبروي وفي القسم الثاني صغروي ، وظاهر أنّ البحث عن كلّ من الصغرى والكبرى إنّما يحتاج إليه حيث كانت ظنّيّة ، فيرجع عنوان المسألة إلى أنّه هل وقع التعبّد بهذين الظنّين بالخصوص لاستفادة المرادات من الألفاظ كائنة ما كانت ملفوظة أو مكتوبة أو لا؟
ولنقدّم الكلام في الكبرى المتفرّعة على إحراز الصغرى ، وهو كون اللفظ الفلاني ظاهرا في هذا المعنى ، فهل هذا الظاهر حجّة ـ على معنى أنّه يجب بناء العمل عليه إلى أن ينكشف خلافه ـ أو لا؟ وهذا هو الكلام في القسم الأوّل.
فنقول : لا إشكال بل لا خلاف في حجّيّة ظواهر الألفاظ وجواز الأخذ بها في فهم المطالب واستفادة المقاصد ، سواء فرضت في موضع الخطاب كما في المحاورات والمخاطبات ، أو في موقع الكتاب كما في المراسلات والمكاتبات ، بل هي معلومة بإجماع علماء الإسلام قديما وحديثا من العامّة والخاصّة ، بل هي من ضروريّات العرف وأهل اللسان من جميع الملل والأديان في جميع الأعصار والأمصار من لدن بناء المخاطبة بالألفاظ في تفهيم المطالب واستفادة المقاصد إلى زماننا هذا ، بل هذه القضيّة ـ الثابتة في الجملة على طريقة المهملة ـ خارجة عن معقد البحث ومحطّ الكلام.
وإنّما الكلام في تفصيلها وأنّها هل هي ثابتة على وجه الإيجاب الكلّي أو الإيجاب الجزئي؟ وقد وقع بينهم بالنسبة إلى ذلك كلام بل خلاف في مقامين :
أحدهما : بالنسبة إلى ظواهر الكتاب العزيز ، فإنّ منهم كالأخباريّة من أنكر حجّيّتها وجواز الأخذ بها والحكم عليها بكونها مرادة ، ما لم يقطع بالإرادة أو لم يقم دليل من خارج كاشف عن الإرادة.
وثانيهما : بالنسبة إلى ظواهر الكتاب والسنّة في حقّ غير المشافهين الذين لم يقصد إفهامهم ولو بغير جهة المخاطبة والمشافهة كالمكاتبات والمراسلات ، فإنّ منهم من أنكر ذلك أو وقع في التشكيك فيه كبعض الأعلام (١) في غير موضع من كتابه ، حيث خصّ الحجّيّة بالمشافهين ومن في حكمهم ممّن قصد إفهامهم دون من لم يقصد إفهامهم ، فإنّ الحجّيّة في حقّه تحتاج إلى إثبات انسداد باب العلم واضطرار العمل بالظنّ مطلقا ، ومنه الظنّ المستفاد من ظواهر الألفاظ مطلقا في حقّ غير المشافهين ممّن لم يقصد إفهامهم.
__________________
(١) قوانين الاصول : ١ / ٣٩٨ ـ ٤٠٣.