المقصد الثاني
في الظنّ
واعلم أنّه قد عرفت في مقدّمات الباب أنّ القطع لا يحتاج إلى دليل الاعتبار لأنّه حجّة ومعتبر في نفسه ، بخلاف الظنّ فإنّه في حجّيّته واعتباره يحتاج إلى دليل ، فالظنّ يجامع كلاّ من منع الشارع من العمل به وتجويزه للعمل به.
والسرّ فيه : أنّ الظنّ بالشيء لا يلازم كون المظنون هو ذلك الشيء في الواقع ولو في نظر الظانّ ، ويجامع القطع بخلاف حكم الواقع كما لو ظنّ المكلّف بخمريّة شيء مثلا ، فإنّه يجامع القطع بكون ذلك الشيء غير محرّم ، نظرا إلى عدم كون الحرمة محمولة على مظنون الخمريّة ، بل على الخمر الواقعي من غير مدخليّة للعلم والظنّ فيه ، فمجرّد الظنّ بخمريّته لا يوجب القطع بحرمته بل يجامع كلاّ من القطع بالحرمة والقطع بعدم الحرمة والشكّ فيهما ، وإنّما يختلف ذلك باعتبار قيام الدليل القطعي على كلّ من المنع والتجويز ، وعدم قيام الدليل على شيء منهما ، فالظنّ يمتاز عن القطع بإمكان كونه معتبرا وكونه غير معتبر ، بخلاف القطع فإنّه لا يمكن كونه غير معتبر بمنع الشارع من اتّباعه للزوم التناقض ، أو خلاف الفرض الّذي يبطله دليل الخلف ، كما أنّ الشكّ يمتاز عنهما بعدم إمكان الاعتبار ، لأنّه بما هو شكّ عبارة عن تساوي الطرفين ، فلا يعقل أن يكون مناطا للأخذ بأحدهما.
نعم يمكن أن يقوم في المقام أمارة تعبّديّة توجب لزوم الأخذ بأحدهما ، غير أنّه ليس من اعتبار الشكّ بنفسه في شيء ، كما لا يخفى على الفطن العارف.
فالكلام في الظنّ يقع تارة : في إمكان اعتباره الّذي يعبّر عنه بإمكان التعبّد به عقلا.
واخرى : في وقوع التعبّد به عقلا أو شرعا وعدمه ، نظرا إلى أنّ الإمكان لا يستلزم الوقوع.
وثالثة : في خصوصيّات الموارد الّتي وقع فيها التعبّد بالعمل على الظنّ ، وتميّزها عن غيرها ممّا لم يقع التعبّد به ، ويتبعه البحث في مسألة الظنّ الخاصّ ، والظنّ المطلق الّذي