الشارع ورخصته فيه ، فموضوع قضيّة حكم العقل بالقبح إنّما هو التديّن والالتزام بما يجوز فيه خلاف الواقع على أنّه حكم الله الواقعي من دون إذن منه فيه ، ولا ريب في قبحه عقلا ، بل أصل هذا العنوان ناطق بقبحه ولا حاجة معه إلى إقامة البرهان عليه.
وهل هو في القبح كالظلم على معنى كون العنوان علّة تامّة لقبحه فلا يقبل تخصيصا ، أو أنّه كالكذب على معنى كون العنوان من باب المقتضي للقبح ، فيجوز انقلاب قبحه حسنا بالوجوه والاعتبارات ، ومعناه قبول قبحه التخصيص بطروّ جهة محسّنة كجهة النفع في الكذب؟ احتمالان أظهرهما أوّلهما ، إذ لا يوجد في الجهات المحسّنة ما يوجب حسن العمل بالظنّ في نفسه بالمعنى المذكور ، ولا ينتقض ذلك بالعمل به من جهة إذن الشارع لأنّه خروج موضوعي ، لعدم كونه عملا بالظنّ في نفسه ، نظير قتل من وجب قتله شرعا المخرج من موضوع الظلم.
لا يقال : إنّ العمل بالظنّ قد يحسن بموافقة أصل من الاصول المعتبرة المعوّل عليها ، كما في الماء المتغيّر بالنجاسة عند زوال تغيّره بنفسه إذا ورد أمارة ظنّيّة بنجاسته ، فإنّه موافق لاستصحاب النجاسة ، وكما في القليل الملاقي للنجاسة إذا ورد فيه أمارة ظنّيّة بطهارته فإنّه يوافق استصحاب الطهارة ، فموافقة الأصل جهة محسّنة يحسن بها البناء على النجاسة في الأوّل وعلى الطهارة في الثاني.
لأنّ موافقة الأصل لا تصلح جهة محسّنة إلاّ حيث كان العمل بالظنّ بعينه هو العمل بالأصل ، وهو على المعنى المتقدّم للعمل بالظنّ محالّ ، فإنّ التديّن بمؤدّى الأمارة على أنّه مع تجويز خلاف الواقع فيه ـ الحكم الواقعي لا يجامع قطّ للتديّن بمؤدّى الأصل على أنّه حكم ظاهري مجعول للجاهل بالواقع.
لا يقال : إنّ البناء على مؤدّى الأمارة قد يحسن بموافقة الاحتياط ، كما لو دلّت على نجاسة شيء أو وجوبه أو تحريمه ، فموافقة الاحتياط جهة محسّنة ينقلب بها قبح العمل بالظنّ في نفسه حسنا.
لمنافاة التديّن والالتزام بما احتمل خلاف الواقع على أنّه الواقع ، للأخذ بالاحتياط الّذي هو عبارة عن الإتيان فعلا أو تركا بما احتمل الواقع برجاء إدراك الواقع ، فهما أيضا لا يجتمعان قطّ ، وحسن الاحتياط على كلّ حال لا يجدي نفعا في حسن العمل بالظنّ في نفسه بالمعنى المأخوذ في قضية القبح العقلي.