العقل : ليته نهى ، ولا نهى عن شيء فقال العقل : ليته أباحه ».
ثمّ إنّ لكلّ من الحسن والقبح معاني ليس النزاع إلاّ في بعضها :
الأوّل : كون الشيء صفة كمال كالعلم والشجاعة والسخاء أو صفة نقص كالجهل والجبن والبخل ، وقد يعبّر بكونه كمالا أو نقصا بإسقاط الصفة بزعم لحوقهما الأفعال أيضا ـ كما يقال في العرف : « إطاعة المولى حسن ومعصيته قبيح » ـ وعدم اختصاصهما بمقولة الصفات ، وهو سهو إذ الحسن والقبح اللاحقان بالاطاعة والمعصية إنّما يراد بهما استحقاق فاعلهما المدح أو الذّم عند العقل ، وإن كان ولا بدّ من حملهما على المعنى المذكور فهما يلحقان الإطاعة والمعصية باعتبار ما يكشفان عنه ممّا هو من مقولة الصفات.
وبيانه : أنّ الإطاعة والمعصية مفهومان منتزعان عن متعلّقات الأوامر والنواهي باعتبار ما يلحقها من الامتثال أو تركه ، وهما كاشفان عن صفة نفسانيّة يعبّر عنها بحسن السريرة وسوئها ، واتّصافهما بالحسن والقبح بمعنى الكمال والنقص إنّما هو باعتبار هذه الصفة من باب وصف الشيء بحال متعلّقه ، أو وصف الملزوم بوصف اللازم.
وبالجملة فلا ينبغي التأمّل في كون الحسن والقبح بهذا المعنى من لواحق الصفات والملكات النفسانيّة.
الثاني : ملائمة الطبع كالطعام اللذيذ والماء البارد ، ومنافرة الطبع كالطعام على التخمة والدواء المرّ ، وكذلك الصوت الحسن وصوت الحمير.
الثالث : موافقة الغرض ومخالفته كقتل زيد لأعدائه وأحبّائه ، وقد يعبّر عنهما بموافقة المصلحة ومخالفتها بزعم الاتّحاد ، وليس كما زعم إذ الغرض عبارة عمّا يرجى ويتوقّع حصوله من فعل شيء وقد لا يكون مصلحة بل قد يكون خلافها كالغنى والفقر فإنّ الأوّل قد يكون مفسدة مع موافقته الغرض والثاني قد يكون مصلحة مع مخالفته الغرض ، فالغرض والمصلحة قد يجتمعان وقد يتفارقان ، والأولى جعل ما ذكر معنى آخر.
الرابع : كون الشيء بحيث لا حرج في فعله شرعا ويعمّ المباحات الشرعيّة ، وكونه بحيث في فعله حرج ويختصّ بالمنهيّات الشرعيّة.
وفي معناه ما في التهذيب والنهاية من : « أنّ الحسن ما للفاعل القادر عليه العالم به أن يفعله والقبيح ما ليس له فعله » (١).
__________________
(١) تهذيب الوصول إلى علم الاصول : ٥٢ ، نهاية الوصول إلى علم الاصول : الورقة ١٢ صفحة ٢ ( مخطوط ).