عمل المسلمين ظاهرا من حيث اقتصارهم على قراءة واحدة وعدم التزامهم بالجمع ، ولكن طريق الاحتياط في محلّ التكليف ـ كما هو شيمة المتورّعين خصوصا في الصلاة ـ واضح.
التنبيه الثاني :
قد عرفت سابقا أنّهم ذكروا أنّ القرآن متواتر فما نقل آحادا فليس بقرآن ، وقد يعبّر عمّا نقل آحادا بالقراءة الشاذّة ، كلفظ « متتابعات » في ثلاثة أيّام كفّارة اليمين في قراءة عبد الله بن مسعود ويقولون : « لا عبرة بالشواذّ ».
وفي مفتاح الكرامة : « المعروف أنّ الشاذّ مرفوض » (١) ولا إشكال فيه من حيث القرآنيّة ، فلا يجري الأحكام الخاصّة بالقرآن كحرمة مسّه جنبا ، أو على حدث مطلقا في نحو ذلك ، و [ هل ] يعمل به في الحكم الفرعي المستفاد منه تنزيلا له منزلة خبر الواحد؟ ظاهرهم المنع وعن أبي حنيفة نعم ، زعما منه أنّه بمنزلة الآحاد فمن عمل بالآحاد فعليه العمل به ، وعلّله : بأنّه لا وجه لنقل العدل له في القرآن إلاّ السماع من النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم إمّا بوجه القرآن أو بوجه البيان.
واجيب : بمنع الانحصار لجواز أن يكون ذلك مذهبا للقارئ ، ودفعه بأنّ العدل لا يلحق مذهبه بالكتاب ، معارض بأنّ العدل لا يلحق الخبر بالكتاب ، على أنّ العدالة تمنع تعمّد الكذب والعادل ليس بمأمون من الخطأ والنسيان ، فلم لا يجوز أن يذكر اجتهاده مع القرآن خطأ أو نسيانا؟
وتوهّم : أنّ ما نحن فيه نظير ما قد يرد في الآحاد ممّا يدلّ على مطلب لغوي ككون [ الباء ] للتبعيض المستفاد من حديث زرارة ومحمّد بن مسلم (٢) ، أو كون « الصعيد » لوجه الأرض إذا ورد به رواية عن المعصوم ، أو اصولي اعتقادي ككفر المجسّمة مثلا لو ورد به رواية ، فهي وإن لم تكن وافية بإثبات هذا المطلب إذ لا عمل بالآحاد في اللغات ولا في اصول الدين ، إلاّ أنّه لا حجر من العمل بها في الحكم الفرعي لو كان المطلب اللغوي أو الاصولي مستلزما لحكم فرعي ، كجواز التيمّم على الحجر ، ونجاسة القائل بالتجسيم.
يدفعه : بأنّ القارئ لم ينقله مسندا إلى النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم بطريق ليكون من قبيل أخبار الآحاد
__________________
(١) مفتاح الكرامة ٢ : ٣٩٦.
(٢) الوسائل ١ : ٤١٢ / ١ ب ٢٣ من أبواب الوضوء.