الآمر بأن يقال
على الله ما لا يعلم ، يدلّ على أنّ القول على الله بما لا يعلم مبغوض له سبحانه
فيكون محرّما ، ويندرج فيه العمل بالظنّ لأنّ المظنون غير معلوم ، فالأخذ به على
أنّه حكم الله تعالى قول عليه بما لا يعلم.
والإيراد عليه ـ تارة
: بأنّ القول على الله عبارة عن الإفتاء فتكون الآية نهيا عن الإفتاء بغير علم ،
والعمل بالظنّ ليس منه.
واخرى : بأنّ
القول على الله ظاهر فيما هو راجع إلى نفسه من إثبات صفة له تعالى أو سلب صفة عنه
بغير علم ، والعمل بالظنّ ليس منه ـ واضح الدفع : بأنّه بعد فرض كون المظنون غير
معلوم فحرمة الإفتاء به يستلزم حرمة الالتزام به أيضا بواسطة عدم القول بالفصل ،
لأنّ كلّ من حرّم الإفتاء بالمظنون حرّم العمل بالظنّ أيضا ، وكلّ من جوّز الثاني
جوّز الأوّل أيضا ، وأنّ القول على [ الله ] بما لا يعلم أعمّ ممّا يرجع إلى
الاصول وما يرجع إلى الفروع ، ولذا ذكر القاضي في تفسير الآية بيانا لقوله : « ما
لا تعلمون » من اتّخاذ الأنداد وتحليل المحرّمات وتحريم الطيّبات ، فقال : « ففيه
دليل على حرمة العمل بالظنّ رأسا ، وأمّا اتّباع المجتهد لما أدّى إليه ظنّ مستند
إلى دليل قطعي فوجوبه قطعي ، لأنّه ظنّ في طريق الحكم لا في نفسه ، كما ذكرناه في
كتبنا الاصوليّة ... إلى آخره. »
فالقول على الله
بما لا يعلم يعمّ كلاّ ممّا يرجع إليه تعالى نفسه من إثبات ما لا يجوز إثباته وسلب
ما لا يجوز سلبه ، وما يرجع إلى الفرعيّات لمكان قوله : « وتحليل المحرّمات ... »
إلى آخره ، مع أنّ العمل بالظنّ في الفروع والفتوى بمقتضاه أيضا قول على الله ،
لأنّ معنى قول المجتهد : « هذا حلال ، وهذا حرام » أنّ هذا ما حلّله الله ، وهذا
ما حرّمه الله.
والآيات الدالّة
على الذمّ على اتّباع غير العلم كثيرة ، ومن ذلك أيضا قوله تعالى ـ في سورة
الأنعام ـ ( قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ
أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحامُ الْأُنْثَيَيْنِ نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ
كُنْتُمْ صادِقِينَ ).
وقوله أيضا بعد
ذلك : ( فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ
كَذِباً لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ ).
وقوله أيضا ـ بعد
ذلك بفاصلة آيات ـ : ( سَيَقُولُ الَّذِينَ
أَشْرَكُوا لَوْ شاءَ اللهُ ما أَشْرَكْنا وَلا آباؤُنا وَلا حَرَّمْنا مِنْ
شَيْءٍ كَذلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذاقُوا بَأْسَنا قُلْ
هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ
__________________