عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ تَخْرُصُونَ )(١).
وقوله تعالى ـ في سورة الجاثية ـ : ( ثُمَّ جَعَلْناكَ عَلى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْها وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ )(٢).
وقوله ـ عقيب ذلك بفاصلة عدّة آيات ـ : ( أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ وَأَضَلَّهُ اللهُ عَلى عِلْمٍ ) ـ إلى أن قال ـ ( وَقالُوا ما هِيَ إِلاَّ حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَنَحْيا وَما يُهْلِكُنا إِلاَّ الدَّهْرُ وَما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ )(٣).
وملخّص مفاد هذه الآيات : إنّ الله تعالى لا يترك العلم بغيره ولا يجزي عنه بما عداه ، ويؤاخذ كلّ عاقل بالعلم ولا يكتفي عنهم بالظنّ.
ومن الآيات المستدلّ بها أيضا ما دلّ منها على ذمّ التقليد ومنعه مثل قوله تعالى ـ : في سورة الزخرف ـ ( وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهادَتُهُمْ وَيُسْئَلُونَ * وَقالُوا لَوْ شاءَ الرَّحْمنُ ما عَبَدْناهُمْ ما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ * أَمْ آتَيْناهُمْ كِتاباً مِنْ قَبْلِهِ فَهُمْ بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ * بَلْ قالُوا إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُهْتَدُونَ * وَكَذلِكَ ما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلاَّ قالَ مُتْرَفُوها إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُقْتَدُونَ )(٤).
وجه الاستدلال : أنّ التقليد عمل بغير علم ، والذمّ عليه يتناول العمل بالظنّ أيضا لأنّه أيضا عمل بغير علم ، ويشكل : بأنّ الآية ذمّ على التقليد في الاصول لا الفروع لاختصاص المورد بها ، وليس فيها لفظ عامّ حتّى يكون الاعتبار به دون المورد الخاصّ ، فالتعدّي إلى العمل بالظنّ في الفروع قياس ، وقوله : ( ما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ ) وإن كان يدلّ على أنّ المناط هو عدم العلم بما جعلوه وما فعلوه إلاّ أنّه لا يجدي في التعدّي ، نظرا إلى أنّ الذمّ على العمل بغير [ العلم ] في الاصول إنّما هو من جهة وقوع التكليف فيها على العلم وكونه المطلوب فيها ، فالتعدّي منها إلى الفروع يتوقّف على ثبوت كون المطلوب فيها أيضا هو العلم ، فلا بدّ أوّلا من إثبات ذلك ، ثمّ التصدّي لتأسيس أصالة تحريم العمل بالظنّ ، فتأمّل.
وأمّا من السنّة : فأخبار متكاثرة ذكر العلاّمة البهبهاني (٥) كثيرا منها في رسالته المعمولة
__________________
(١) سورة الأنعام : آية ١٤٨.
(٢) سورة الجاثية : آية ١٨.
(٣) سورة الجاثية : ٢٣ و ٢٤.
(٤) سورة الزخرف : آية ١٩ ـ ٢٣.
(٥) الرسائل الاصوليّة : ١٢.