الإمام عليهالسلام خلاف ظاهره الموافق للواقع من غير نصب قرينة عليه لمصلحة التقيّة ، فإذا دار الأمر بينهما بعد إحراز صدوره على جهة التقيّة فالأولى أن يحمل على الثاني قضاء للاعتبار بل القوّة العاقلة ، نظرا إلى أن الكذب إنّما يرتفع عنه القبح العقلي حيث لا مندوحة منه ، وإرادة خلاف ظاهر الخطاب من غير نصب قرينة عليه إنّما يقبح عقلا إذا قصد به إفهام المراد ولا قبح فيما لم يقصد به الإفهام أصلا ، وإمكانه في محلّ الفرض مندوحة من الكذب وما أشبهه من بيان خلاف الواقع ، فالمناسب لمنصب الإمامة أنّه عليهالسلام اختار ذلك.
والتحقيق عندنا تخصيص ذلك بما لو كانت في القول فقط ، إذا الغرض في التقيّة في العمل لا يتأتّى إلاّ بإرادة الظاهر ، لأنّه التكليف ما دامت التقيّة موجودة.
ومن هنا يقال : إنّ التقيّة في موردها حكم ظاهري بل واقعيّ ثانوي ، ولمّا كانت التقيّة المفروضة في محلّ الكلام تقيّة في القول لا في العمل فالمتّجه في الخطابات الواردة في موردها إنّما هو الحكم بعدم كونها على ظاهر التكليف ، وإنّما هي تكاليف صوريّة قصد بها مجرّد إظهار الموافقة في المذهب مراعاة لمصلحة التقيّة الّتي لا يقتضي أزيد من ذلك ، ولا بعد في ذلك عن مظانّ الاستعمال ، ولا يلزم صرف الخطاب عن ظاهره ولا تجريده عن معناه من دون باعث عليه ، وإذا لم يكن هذه الخطابات والتكاليف على ظاهرها فلم يحدث من جهتها للفعل حكم شرعي من إيجاب ولا تحريم ، فيكون باقيا على حكمه الواقعي من إباحة أو غيرها ، فالتكاليف الواردة مورد التقيّة لا تنافي الملازمة الواقعيّة بين الأحكام العقليّة والأحكام الشرعيّة.
ومنها : أنّه لا ريب في أنّ كثيرا من الأحكام المقرّرة في الشريعة معلّلة في الحقيقة ولو بحسب الظنّ أو الاحتمال بحكم غير مطّردة في جميع مواردها ، ومع ذلك فقد حافظ الشارع على عمومها وكلّيتها حذرا من الأداء إلى الإخلال بموارد الحكم ، كتشريع العدّة لحفظ الأنساب من الاختلاط ، حيث أثبتها الشارع بشرائطها المقرّرة على سبيل الكلّية حتّى مع القطع بعدم النسب أو بعدم الاختلاط ، كما في المطلّقة المدخول بها دبرا أو مجرّدا عن الانزال ، والغائب عنها زوجها ، والمتروك وطؤها مدّة الحمل وغير ذلك ، فإنّه لو جعل المدار في ذلك على العلم أو الظنّ بعدم النسب أو عدم الاختلاط لأدّى إلى تفويت الحكمة وحصول الاختلاط في كثير من الموارد بالتلبيس أو الالتباس وكذلك الحال في تشريع غسل الجمعة لرفع رياح الآباط مع ثبوت استحبابه مع عدمها ، وكراهة الصلاة في الحمّام