لكونه مظنّة للرشاش ، وفي الأودية لكونها مظنّة لمفاجاة السيل مع ثبوتها عند القطع بعدمها إلى غير ذلك ، فهذه الامور فعلا أو تركا وإن كان حسنها الابتدائي مقصورا على الموارد الّتي تشتمل على الحكم ، وقضيّة ذلك حسن التكليف بتلك الموارد خاصّة ، لكن لمّا كان في تعميم التكليف حكمة كمال المحافظة على موارد الحكم حسن تعميم التكليف ، فحسن الفعل في الموارد الّتي تتجرّد عن الحكمة من جهة التكليف ، وليس حسن التكليف من جهته وإلاّ لدار.
ثمّ ما ذكرنا من أنّ الأحكام المذكورة معلّلة بتلك الحكم فقط إن لم يكن مظنونا فلا أقلّ من كونه محتملا ، وهو كاف في إثبات ما أردناه من نفي الملازمة ، إذ تجويز العقل ذلك ينافي حكمه بالملازمة (١).
وفيه أوّلا : منع كون هذه الحكم علل حقيقيّة للأحكام المذكورة مؤثّرة في جعلها وحدوثها ، وإنّما هي مناسبات واعتبارات ذكرت لتقريب هذه الأحكام إلى أفهام المكلّفين ، فمن الجائز كونها بحسب الواقع من آثار حكم آخر مطّردة خفيّة لا يطّلع عليها إلاّ العالم بخفايا الامور ، وكون هذه المناسبات من الفوائد المترتّبة على موضوعات هذه الأحكام المجعولة في بعض مواردها لا من الدواعي الباعثة للشارع على جعلها.
وثانيا : منع انحصار علل جعل هذه الأحكام المطّردة في هذه الحكم الغير المطّردة ـ على فرض كونها عللا واقعيّة ـ ليلزم الإشكال من عدم اطّرادها ، لجواز أن يكون لجعلها في غير موارد هذه الحكم عللا اخر خفيّة لا يحيط بها إلاّ العقول الكاملة ، وكان علّة جعل الأحكام على وجه الاطّراد المجموع من هذه الحكم وغيرها ممّا نعقله من خفايا الحكم ، ونحوه غير عزيز في الشرعيّات والعرفيّات ، كما لو أمر الطبيب جماعة بشرب السكنجبين مثلا لإطفاء الحرارة في بعضهم ولإسهال الصفراء في آخر ولإبقاء المزاج على الاعتدال في ثالث.
وثالثا : أنّ كون حسن الفعل في بعض ما لا يستقلّ فيه العقل باعتبار التكليف ـ على فرض تسليمه ـ من دون أن يكون حسن التكليف فيه أيضا باعتبار حسن الفعل لئلاّ يلزم الدور لا ينافي الملازمة بالمعنى المتنازع فيه ، إذ ليس معناها أنّ حسن التكليف في جميع موارده باعتبار حسن الفعل ليخدشه ما ذكر من الموارد ، بل معناها أنّ حسن الفعل في جميع موارده يلازم حسن التكليف ، وهذا ممّا لا يمكن نقضه بنحو ما ذكر.
__________________
(١) الفصول : ٣٣٩.