أنّه يأباه مقام البيان كما هو المفروض ، ويبعّده أيضا عدم سبق ما يصلح مرجعا للضمير لا باعتبار اللفظ ولا باعتبار السياق.
كما أنّ المناقشة في الثالث : بأنّ نفي القبول لا يستلزم نفي الصحّة ، مدفوعة : بأنّ ظاهر سياق البيانيّة إرادة نفي الصحّة من نفي القبول.
هذا كلّه فيما استحدثه في الفعل البياني من الخصوصيّات ، كما إذا استقبل في صلاته وابتدأ في الغسل من الأعلى أو من المرفقين كما عرفت ، وأمّا لو كان قبل الشروع في الفعل البياني متلبّسا بصفة كما لو كان مستور العورة قبل الصلاة فدخل فيها بهذه الحالة ، أو كان على الطهارة فصلّى على الجنازة بيانا ، فالوجه عدم دلالة فعله بهذه الحالة على أنّ لها دخلا في البيان وأنّها معتبرة في العبادة وجوبا أو استحبابا ، لانتفاء الظهور الناشئ من شهادة الحال كما لا يخفى ، فتبقى أصالة عدم التشريع سليمة عمّا يزاحمها ، ومرجعه إلى أنّ ثبوت المدخليّة لنحو هذه الأحوال المتلبّس بها قبل التشاغل بالفعل البياني يحتاج إلى دلالة خارجيّة ، والتخصيص اللفظي ببيانيّته أيضا لا يوجب ظهور كون غير ما استحدثه من الصفات المقارنة للفعل المتلبّس بها قبله مقصودا بالبيان ، معتبرا في المجمل على وجه الجزئيّة أو الشرطيّة.
وأمّا الجهة الثانية : فبعد ما ثبت كون ما استحدثه المعصوم في فعله البياني داخلا في البيان ، على معنى قصده الدلالة على كونه معتبرا في المجمل على وجه الشطريّة أو الشرطيّة ، وتردّد في وجهه بين كونه واجبا أو مستحبّا ، فهل الأصل كونه من الواجب أو لا؟
فقد يتوهّم بناء ذلك على مسألة جريان الأصل في ماهيّات العبادات عند الشكّ في وجوب شيء فيها جزءا أو شرطا وعدمه ، فهل القول بجريان الأصل النافي للجزئيّة والشرطيّة ، يتّجه الحكم فيما نحن فيه بعدم الوجوب المستلزم لثبوت الاستحباب لدوران الأمر بينهما ، وعلى القول بعدم جريانه بدعوى كون المرجع فيها أصل الاشتغال القاضي بوجوب الإتيان بكلّ ما يحتمل كونه معتبرا في [ العبادة ] جزءا أو شرطا ، يتّجه الحكم هنا بالوجوب.
وربّما يظهر هذا البناء من كلمات بعض الأعلام (١) أيضا في هذا المقام.
__________________
(١) قوانين الاصول ١ : ٤٩٣.