ولكنّ الإنصاف أنّه بناء غير جيّد لخروجه عن معقد البحث ، إذ المقصود استظهار الدلالة من فعل المعصوم على أحد الوجهين ، بعد ما ظهر منه الدلالة على دخول ما استحدثه في البيان.
والذي يساعد عليه التحقيق والنظر الدقيق هو الوجوب ، إلاّ ما ثبت استحبابه بدليل من الخارج.
وتوضيح ذلك : أنّه لا ينبغي الاسترابة في أنّ الفعل بما هو فعل مجمل ، لا دلالة فيه على شيء حتّى وجهه فضلا عن صفة المجمل من وجوب شيء فيه شطرا أو شرطا ، إلاّ إذا اقترن بقرينة حال أو مقام تعطيه الدلالة على شيء ، ومن قرائن المقام كون الفاعل قاصدا لبيان مجمل ، وكما أنّ هذه القرينة توجب ظهوره في دخول ما استحدثه في البيان على معنى كونه معتبرا في المجمل على وجه الجزئيّة أو الشرطيّة ، فكذلك توجب ظهوره في كونه واجبا بوجوب الكلّ إن كان من قبيل الجزء ، أو بوجوب المشروط إن كان من قبيل الشرط.
وبالجملة : كما أنّ قضيّة مبينيّة الفعل القصد إلى إفادة دخول ما استحدثه في البيان ، فكذلك قضيّة مبيّنيّة (١) القصد إلى إفادة وجوبه بوجوب المبيّن جزءا كان أو شرطا.
لا يقال : كونه جزءا للواجب لا ينافي استحبابه ، لأنّ من أجزاء الواجب أجزائه المستحبّة كالقنوت والتكبير المستحبّة للصلاة ، والمضمضة والاستنشاق وتثنية الغسلات في الوضوء ، فجزء الواجب يجامع كلاّ من الوجوب والاستحباب ، فالفعل المبيّن للمجمل الدالّ على الجزئيّة لا ينافي استحبابه حتّى ينكشف منه الوجوب وعلى هذا فلم لا يجوز أن يكون البدأة من الأعلى في غسل الوجه ومن المرفقين في غسل اليدين مثلا من الأجزاء المستحبّة للوضوء المجمل الّذي بيّنه المعصوم بفعله؟
لأنّا نقول : قضيّة الفعل البياني الدالّ على جزئيّة ما استحدثه أو شرطيّته ، كونه جزءا أو شرطا لماهيّة المجمل ، وجزء الماهيّة لا ينفكّ عنها والجزء المستحبّ جائز الانفكاك عنها وإلاّ لم يكن مستحبّا ، فمعنى جزئيّته ـ على ما حقّقناه في غير موضع ـ كونه جزءا للفرد الأفضل ، لأنّ معنى استحبابه استحباب اختيار الفرد المشتمل عليه وهو معنى أفضليّة الفرد ، فكون الجزء جزءا للفرد الأفضل خلاف ظاهر دليل الجزئيّة ، فلا يصار إليه إلاّ لدليل من خارج يصرف بدلالته على الاستحباب دليل الجزئيّة عن ظاهره ، وعلى هذا فكون البدأة
__________________
(١) كذا فى الأصل.