على صدق المقدّمتين ، وعلى تقدير عدم مصادفته الواقع فالمنع المذكور إمّا أن يؤثّر في زوال اعتقاد المكلّف بإحدى الملازمتين المستلزم لزوال القطع ، أو يؤثّر في حصول قطع آخر له بخلاف القطع الأوّل مع بقائه على حاله ، أو يؤثّر في حصول الظنّ له بخلافه مع بقائه على حاله ، أو يؤثّر في حصول احتمال الخلاف فيه مع بقائه ، والكلّ باطل.
أمّا الأوّل : فلكونه خروجا عن موضوع المسألة ، فإنّ الكلام في العمل بالقطع مادام باقيا.
وأمّا الثاني ، والثالث ، والرابع : فللزوم اجتماع النقيضين في الاعتقاد.
وأمّا الخامس : فلأنّ الخطاب مع فرض عدم دلالته القطعيّة ولا الظنّيّة لا يعقل فيه المنع والمانعيّة من العمل بالقطع المفروض ، فلا يكون حجّة ، نظرا إلى أنّ حجّيّة الخطاب باعتبار دلالته وإفادته القطع أو الظنّ ، فلو وجد مثل هذا الخطاب في الأخبار كان مطروحا ، أو مؤوّلا بما لا ينافي العمل بالقطع الحاصل من المقدّمات النظريّة البعيدة عن الإحساس.
لا يقال : لا يعني من المنع من العمل بالقطع المذكور المنع الخطابي في الظاهر ليؤدّي إلى محذور التناقض ، أو اجتماع النقيضين في الاعتقاد ، أو غير ذلك ، بل إنّما يعني به أنّ الشارع لا يرضى بالعمل به والركون إليه في الواقع وإن لم يمنعه أيضا في الظاهر.
لأنّ عدم الرضا بالعمل به مع مصادفته الواقع ممّا لا معنى له ، لأنّ معنى مصادفته كون متعلّقه الحكم الواقعي المجعول للواقعة في نفس الأمر ، ومعنى العمل به ترتيب آثار الواقع على متعلّقه ، فإذا كان المتعلّق هو الحكم الواقعي المجعول فكيف لا يرضى الشارع بترتيب آثاره عليه؟
ومن ذلك علم أنّه لا يصحّ أن يراد بالمنع أنّ الشارع يعاقب على العمل به في الواقع وإن لم يمنعه منه في الظاهر ، إذ لا يعقل أن يعاقب الشارع على ترتيب آثار الواقع عليه.
فإن قلت : إنّ العقاب إنّما يترتّب على تقصيره لا على نفس العمل بالقطع ، فإنّه لخوضه في مقدّمات يعلم إجمالا بكثرة الخطأ والاشتباه فيها قصّر في تحصيل القطع.
قلت : ـ لو سلّمنا العلم الإجمالي ، ثمّ سلّمنا صدق التقصير مع اتفاق المصادفة للواقع ـ إنّ العقاب على التقصير باعتبار خوضه فيها لا جهة له إلاّ من حيث التجرّي ، كما في مرتكب بعض أطراف الشبهة المحصورة في صورة عدم مصادفة ارتكابه الحرام الواقعي ، والتجرّي وإن كان قبيحا إلاّ أنّه على ما تقدّم تحقيقه قبح في الفاعل لا في الفعل المتجرّى به فلا يوجب عصيانا ولا عقابا.