ولو سلّم فالعقاب من جهته كلام آخر لا ربط له بالمقام ، حيث إنّ الكلام في العقاب على خصوص العمل بالقطع لا على الخوض في مقدّمات تحصيله باعتبار التجرّي.
ولو قدر المنع بمعنى عدم الرضا بالعمل والركون في القطع الغير المصادف ، فهو وإن كان مسلّما إلاّ أنّه لا اختصاص له بما حصل من المقدّمات العقليّة ، بل لو حصل من مقدّمات نقليّة فهو أيضا ممّا لا يرضى الله في الواقع بالعمل به والركون إليه ، مع أنّه لا فائدة فيه بالنظر إلى حال المكلّف الغير الملتفت إليه لعدم تجويزه الخلاف في قطعه.
ولو قدّر المنع بمعنى العقاب على العمل بالقطع الغير المصادف ، فهو لا يسلّم إلاّ مع العلم الإجمالي بكثرة الخطأ والاشتباه في تلك المقدّمات ، وقد تقدّم منع العلم الإجمالي بوقوع خطأ واحد فضلا عن كثيرة في المقدّمات العقليّة الّتي هي محطّ بحث الاصولي ، فإنّها غير خالية عن المستقلاّت العقليّة والاستلزامات العقليّة ، وليس في شيء منهما علم إجمالي.
وبالتأمّل في جميع ما قرّرناه ينقدح ما في ذيل كلام هذا المحدّث من قوله : « إن تمسّكنا بكلامهم فقد عصمنا من الخطأ وإن تمسّكنا بغيرهم لم نعصم منه » ، فإنّ الخطأ في أخبارهم إن لم يكن أكثر ممّا هو في الأدلّة العقليّة فليس بأقلّ منه ، مع أنّ المنع من التمسّك بغير كلامهم ممّا يخالف سيرة سلفنا الصالحين وطريقة آبائنا السابقين من المتكلّمين والفقهاء والمحدّثين ، حيث نراهم قديما وحديثا متمسّكين في المطالب الشرعيّة كلاميّة واصوليّة وفروعيّة بالبراهين العقليّة ، وكفاك شاهدا بذلك استنادهم إلى دليل اللطف الّذي هو دليل عقلي في كثير من المطالب الشرعيّة.
وهذا من أقوى الشواهد بعدم انحصار طريق إثبات المطالب في الأدلّة النقليّة.
وأمّا ما في كلام السيد الجزائري والمحقّق البحراني فمع ما فيهما من أكثر ما تقدّم من فرض التعارض بين الدليل العقلي والدليل النقلي وبين الدليلين العقليّين ، فإنّه من أعجب العجاب بل من أوضح المفاسد ، إذ الدليل العقلي ما كان دليليّته منوطة بحصول القطع منه ، والدليل النقلي ما كان دليليّته منوطة بإفادته القطع أو الظنّ ، والتعارض عبارة عن تنافي مدلولي الدليلين ، فإن كان الدليل العقلي ممّا حصل منه القطع بالمطلب فكيف أن يحصل القطع أو الظنّ من الدليل النقلي على خلافه ، وإن فرض حصول القطع أو الظنّ من الدليل النقلي فكيف يجوز أن يحكم العقل بخلافه على وجه القطع.
ومن ذلك ظهر وجه الفساد في فرض التعارض بين عقلي مع مثله ، فالدليل العقلي