و ( اسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ )(١) ـ إلى أن قال ـ الوجه الرابع من الكفر ، ترك ما أمر الله عزّ وجلّ به ، وهو قول الله عزّ وجلّ ( أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ )(٢) فكفّرهم بترك ما أمر الله عزّ وجل به ونسبهم إلى الإيمان ولم يقبله منهم ولم ينفعهم عنده ، فقال : ( فَما جَزاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذلِكَ مِنْكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يُرَدُّونَ إِلى أَشَدِّ الْعَذابِ )(٣).
وصحيحة بريد العجلي عن أبي جعفر عليهالسلام ، قال سألته عن أدنى ما يكون به العبد مشركا؟ « قال : من قال للنواة حصاة وللحصاة أنّها نواة ثمّ دان به » (٤) ، إلى آخر ما يقف به المتتبّع.
والمراد بالأخير كناية عن القول للحقّ أنّه باطل وللباطل أنّه حقّ ، أو للحلال أنّه حرام وللحرام أنّه حلال.
ثمّ إنّه لا فرق في وجوب الإقرار بالضروريّات ، وكفر منكرها بين ضروريّات الدين وضروريّات المذهب ، لأنّ الإقرار بها إنّما يجب لكونه إقرارا بما جاء به النبيّ من عند الله ، وهو معتبر بالنصّ والإجماع فيكون إنكاره كفرا ، وكما أنّ ما جاء به النبيّ قد يكون ضروريّا بين المسلمين بحيث لا يخفى كونه من الدين الّذي أتى به النبيّ من عند الله على أحد من المسلمين ، إلاّ من كان قريب العهد بالإسلام ، أو ساكنا في بلاد الكفر ، كذلك قد يكون ضروريّا بين الشيعة بحيث لا يخفى كونه من الدين الّذي أتى به النبيّ من عند الله على أحد من الشيعة ، إلاّ من كان قريب العهد بالتشيّع ، أو كان ساكنا في بلاد المخالفين ، فيكون الإقرار بكلّ منهما بعد العلم بأنّه ممّا أتى به النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم من عند الله على معنى قبوله والانقياد به وأخذه دينا معتبرا في الإسلام ، فيكون إنكاره على معنى عدم قبوله وعدم أخذه دينا كفرا ، سواء تضمّن إنكار الأوّل تكذيب النبيّ في إخباره به عن الله تعالى أو لا ، وإنكار الثاني تكذيب الأئمّة في إخبارهم به عن النبيّ أو لا.
وقضيّة كلام من جعل الكفر اللازم من إنكار الضروري باعتبار رجوعه إلى تكذيب النبيّ الّذي مرجعه إلى إنكار الرسالة ، أن لا يقول بكفر منكر ضروري المذهب ، بدعوى أنّه لا يكذّب النبيّ ، بل يكذّب الأئمّة في إخبارهم عن النبيّ ، فيكون إنكارا لإمامتهم.
وغاية ما يلزم من ذلك ، إنّما هو الخروج عن مذهب الشيعة الاثني عشريّة ، لا عن
__________________
(١) سورة النمل : ١٤.
(٢) سورة البقرة : ٨٥.
(٣) سورة البقرة : ٨٥.
(٤) الكافي ٢ : ٣٩٧ / ١.