ولا ينافيه إفراد الضروريّات بالعنوان في كلام الفقهاء ، لأنّه ليس لإحراز موضوع الكفر على أنّ لخصوص الضروريّة مدخليّة فيه وفي الحكم به ، بل لأنّه الطريق المعرّف لتحقّق الكفر بمجرّد الإنكار ، بناء على أنّه من المسلم الّذي عاش مدّة عمره بين المسلمين ، فلا يحتمل في حقّه الشبهة وعدم العلم بكون ما أنكره ممّا جاء به النبيّ ، حتّى أنّه لو ادّعاه لم يسمع منه ، بخلاف ما يتوصّل إليه بطريق النظر ، فإنّ النظريّات يغلب فيها الخطأ والاشتباه ، فإن ادّعى منكره الشبهة مع قيام احتمالها قبل منه ، لأصالة الإسلام وعموم درأ الحدود بالشبهات ، فيدرأ عنه التكفير.
وبالجملة : فالموجب للكفر هو إنكار ما جاء به النبيّ من عند الله مع العلم بأنّه كذلك ، سواء طرئه الضروريّة أو كان نظريّا توصل إليه بالبرهان.
وممّا يدلّ عليه مضافا إلى الأخبار المتقدّم إليها الإشارة الصريحة في كون الإقرار بكلّ ما جاء به النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم من عند الله معتبرا في دين الإسلام ، أخبار معتبرة اخر مستفيضة ، ففي صحيحة عبد الرحيم القصير عن أبي عبد الله عليهالسلام في حديث « قال : الإسلام قبل الإيمان وهو يشارك الإيمان ، فإذا أتى العبد بكبيرة من كبائر المعاصي ، أو صغيرة من صغائر المعاصي ، الّتي نهى الله عنها كان خارجا من الإيمان ، وثابتا عليه اسم الإسلام ، فإن تاب واستغفر عاد إلى الإيمان ، ولم يخرجه إلى الكفر والجحود والاستحلال ، فإذا قال للحلال هذا حرام ، وللحرام : هذا حلال ، ودان بذلك فعندها يكون خارجا عن الإيمان والإسلام إلى الكفر » (١).
وفي مكاتبة له أيضا : « ولا يخرجه إلى الكفر إلاّ الجحود والاستحلال ، بأن يقول للحلال هذا حرام ، وللحرام : هذا حلال ، ودان بذلك فعندها يكون خارجا عن الإسلام والإيمان ، داخلا في الكفر ، وكان بمنزلة من دخل الحرم ، ثمّ دخل الكعبة وأحدث في الكعبة حدثا ، فأخرج عن الكعبة وعن الحرم ، فضرب عنقه » (٢) ودلالتهما على أنّ المناط في كفر [ المنكر ](٣) للضروري بل مطلق المقطوع به ، هو عدم الديانة به المتحقّق في ضمن الديانة بخلافه واضحة ، بل الأخير يدلّ على أنّ فعل ما ينافي تعظيم ما ثبت وجوب تعظيمه بضرورة من الدين يوجب الكفر ، ولا يكون إلاّ إذا صدر الفعل على وجه الإنكار المنافي للإقرار به بقرينة : « ودان بذلك ».
__________________
(١) بحار الأنوار ٥ : ٣٢ / ٣٩.
(٢) بحار الأنوار ٦٥ : ٢٥٦ / ١٥.
(٣) وفي الأصل : « الإنكار » بدل « المنكر » والصواب ما أثبتناه فى المتن بقرينة السياق.