في المطالب المستفادة منها إن لم يكن أكثر ممّا يقع في المطالب المتوصّل إليها بواسطة المقدّمات العقليّة النظريّة البعيدة عن الإحساس ، فلا أقلّ من عدم كونه أقلّ منه بسبب الخلل الواقعة في الأخبار من جهات عديدة ، فتارة : من حيث الصدور ، واخرى : من حيث جهة الصدور ، وثالثة من حيث المتن ، ورابعة من حيث الدلالة ، وخامسة : من حيث التعارض وعلاجه بالمرجّحات الظنّيّة المتعارضة.
فإنّ كلّ واحدة من هذه الجهات من أسباب الخطأ والاشتباه كثيرا ، فلو كان ذلك جهة للمنع لا نسدّ باب الاستنباط رأسا ، وتوهّم التفرقة بالاغتفار وعدمه ولو من جهة توهّم الفرق بالقصور والتقصير تحكّم ومجازفة واضحة لا يلتفت إليها ـ أنّ محلّ هذا المنع إمّا أن يكون الدليل العقلي قبل حصول العلم من جهته بالحكم الشرعي ، ومرجعه إلى المنع عن الخوض والنظر في المطالب العقليّة النظريّة للتوصّل إلى المطالب الشرعيّة لما يكثر فيها من الغلط والاشتباه ، أو يكون الدليل العقلي بعد حصول القطع من جهته بالحكم الشرعي ، ومرجعه إلى المنع من العمل بالقطع الحاصل من الدليل العقلي النظري.
فإن كان الأوّل فهو إنّما يسلّم في موضع العلم الإجمالي بوقوع الخطأ كثيرا في المطالب الشرعيّة الّتي يتوصّل إليها بواسطة تلك المطالب العقليّة الّتي يراد الخوض فيها ، ومع فرض العلم الإجمالي على الوجه المذكور فدعوى المنع عن الخوض فيها من باب المنع عن الشبهة المحصورة الّتي تثبت بحكم العقل كلام حسن لا يقابل بالإنكار ، غير أنّه خارج عن مفروض المسألة إذ لا يظنّ من الأصحاب بأحد يجوّز ذلك ، بل نلتزم عنهم أنّهم لا يجوّزونه جزما.
فكبرى الدعوى المذكورة مسلّمة لا يمكن الاسترابة فيها ، وإنّما الكلام في الصغرى وهي محلّ منع أشدّ المنع ، لكذب دعوى العلم الإجمالي بما ذكر ، إذ الأدلّة العقليّة الّتي يتداولها الأصحاب في استفادة المطالب الشرعيّة لا تخلو عن نوعين :
أحدهما : المستقلاّت العقليّة الّتي يحكم فيها العقل بدون ملاحظة خطاب [ الشرع ] وهي موارد التحسين والتقبيح العقليّين.
وثانيهما : الاستلزامات العقليّة الّتي يحكم فيها العقل بملاحظة خطاب الشرع ، كوجوب المقدّمة ، وحرمة الضدّ ، وحرمة العبادة وبطلانها من جهة امتناع اجتماع الأمر والنهي ، وفساد العبادات المنهيّ عنها ، إن كان ثابتا بحكم العقل لا بدلالة العرف وما أشبه ذلك ،