بل محلّ البحث صور اخرى ، وهي ما لو خالفت أمارة الظنّ الغير الاطمئناني للاحتياط مع موافقة أمارة الظنّ الاطمئناني له ، أو عدم مخالفة شيء منهما الاحتياط لعدم إمكانه ، إمّا لدوران الأمر بين المحذورين بأن يدلّ إحداهما على الوجوب واخراهما على الحرمة ، أو لدوران المكلّف به بين المتبائنين ، بأن يدلّ إحداهما على أنّ المكلّف به هذا ، والاخرى على أنّه ذاك ، كما في القصر والإتمام ، والظهر والجمعة وما أشبه ذلك.
وحينئذ فالذي يساعد عليه النظر ، كون حكم العقل مقصورا على الظنّ الاطمئناني ، لأنّه أقرب إلى العلم ، ومعناه الأقربيّة إلى الواقع ، فإنّه إذا تعذّر إدراك الواقع بطريق العلم تفصيلا أو إجمالا تعيّن في حكم العقل المستقلّ إدراكه بالأقرب إلى العلم الّذي معناه الأقرب إلى نفس الواقع ، فإنّ الرجحان في الظنّ الاطمئناني أكثر منه في غيره لكون احتمال الخلاف في غيره أقوى منه فيه ، هذا.
ولكنّ الإنصاف : أنّه لا جدوى لما ذكرنا من التفصيل ، بالنظر إلى أنّ موضوع دليل الانسداد هو الظنّ بنفس الواقع الّذي لا يكون إلاّ فعليّا ، ومن المستحيل اجتماع ظنّين في طرفي النقيض ، فالوجه أن يقال : إنّ الواجب تحصيله على المجتهد هو الظنّ القوي الاطمئناني لأنّه الأقرب إلى العلم ، وإن لم يمكن إلاّ الظنّ الغير الاطمئناني فالعمل به إذا وافق الاحتياط أو فيما لم يمكن الاحتياط لدوران الأمر بين المحذورين حسن ، وهو في غيرهما في حكم الشكّ فيدخل في أصالة التحريم ، ويرجع في مورده إلى الاصول.
وأمّا توهّم : وجوب العمل بالاحتياط في المظنونات بالظنون الغير الاطمئنانيّة ، وفي المشكوكات إلى أن يلزم منه العسر ، فيرجع حينئذ إلى الاصول ، أو إلاّ أن لا يمكن الاحتياط فيبنى على الظنّ في المظنونات ، وعلى التخيير في المشكوكات ، فممّا لا مقتضى له من عقل ولا نقل ، لعدم بقاء العلم الإجمالي بوجود التكاليف الإلزاميّة بعد العمل بالظنون الاطمئنانيّة على كثرتها المخرجة للباقي عن طرف العلم الإجمالي ، فإنّ أخبار الآحاد الموثوق بصدورها من الصحاح ، والموثّقات والحسان والضعاف المنجبرة بعمل الأصحاب أو الأكثر منهم ، أو جماعة من معتبريهم ، أو المعتضدة بما يوجب الاطمئنان منضمّة إلى الإجماعات المنقولة إلاّ ما شذّ منها لخصوصيّة في المورد مانعة من حصول الاطمئنان ، والشهرات المحقّقة إلاّ ما قلّ منها أيضا ، والأمارات المتراكمة الموجبة بتراكهما الاطمئنان من الاستقراء والأولويّة ، وظهور الإجماع ونفي الخلاف والشهرة المحكيّة ، وفتوى من