أمارة ظنّية توجب الظنّ الاطمئناني بمطابقة الواقع أخذنا بها وتركنا من جهتها الاحتياط ، وكلّ مسألة لم يوجد فيها نحو هذه الأمارة ، يعمل فيها بالاحتياط سواء لم يوجد فيها أمارة أصلا كالمسائل المشكوكة ، أو كانت ولم تبلغ مرتبة الاطمئنان.
نعم لو لم يمكن الاحتياط من جهة دوران الأمر بين المحذورين ، تعيّن البناء على التخيير في المسائل المشكوكة ، والعمل بالظنّ في المظنونة بالظنّ الغير الاطمئناني وإن كان في غاية الضعف ، لأنّ الموافقة الظنّية أولى من غيرها.
أقول : وهذا التفصيل عندنا بمعزل عن التحقيق ، لما يرد عليه بظاهره من خروج الأصل القطعي وهو أصل البراءة ـ على ما بيّناه عند الكلام في مقدّمات دليل الانسداد ـ في الشبهات الحكميّة بلا مورد ، وهو خلاف مقتضى العقل والنقل بل الإجماع ، حتّى على طريقة الأخباريّة ولكن في الشبهات الوجوبيّة ، فهو بالإعراض عنه أحرى.
وعمدة المطلب في المقام هو النظر في ثبوت الترتّب بين الظنّ الاطمئناني والظنّ الغير الاطمئناني ، على معنى عدم جواز العدول إلى الثاني ولا الاكتفاء به إلاّ إذا تعذّر الأوّل وعدم ثبوته.
فنقول : إنّ المسائل الغير العلميّة بعد استفراغ الوسع لها في الأمارات الظنّيّة إمّا أن لا يوجد فيها أمارة أصلا ، فالمرجع فيها إلى الاصول الأربع ـ وهي الاستصحاب وأصالة البراءة وأصالة الاشتغال وأصالة التخيير ـ أو يوجد فيها من الأمارات الموجبة للظنّ الاطمئناني تعيّن متابعتها والعمل بالظنّ الحاصل منها وافق الاحتياط أو خالفه ، أو يوجد فيها من الأمارات الموجبة للظنّ الغير الاطمئناني ، فإن كانت بحيث علم عدم إمكان حصول أمارة اخرى موجبة للظنّ الاطمئناني ، تعيّن متابعتها والعمل بالظنّ الحاصل منها وافق الاحتياط أو خالفه مع جواز العدول إلى العمل بالاحتياط وهو أحوط ، أو كانت بحيث أمكن حصول أمارة اخرى موجبة للظنّ الاطمئناني فيها.
فإن كانت تلك الأمارة الممكن حصولها مطابقة لها جاز متابعتها والعمل بالظنّ الحاصل منها أيضا ، ولا يجب تحصيل ما يمكن حصوله من الأمارة الموجبة للظنّ الاطمئناني ، كما في تقليد غير الأعلم الموافق للأعلم ، وإن كانت مخالفة لها مع موافقة الأوّل للاحتياط ومخالفة هذه له جاز العمل بها أيضا ، لأنّه في معنى العمل بالاحتياط ، كما جاز العمل بالاحتياط مع فرض حصول الظنّ الاطمئناني على خلافه.
وهذه الأقسام كلّها خارجة عن محلّ البحث في الترتّب بين الظنّ الاطمئناني وغيره ،