العقل بالنسبة إلى الأسباب على ما يساعد عليه التأمّل هو التمسّك بالأدلّة النافية للعسر والحرج بالنسبة إلى ما يتوقّف عليه الاقتصار على القدر المكتفى به على تقدير كون حكم العقل مقصورا عليه ، من تعيين مقداره وتمييز مصاديقه وتشخيص موارده من المسائل وأسبابه من الأمارات ، فإنّ القدر المكتفى به مع ما زاد عليه مفهومان مجملان من الجهات المذكورة ، والاقتصار على الأوّل في العمل لا يتمّ إلاّ بعد التعيينات المذكورة ، وكلّ منها عسر شديد وحرج عظيم.
ولك أن تقول : بكونه متعذّرا عاديّا ، ولعلّه لم يحم حول شيء منها أحد ، ولا ريب أنّ الأدلّة النافية للعسر والحرج كما تنفي وجوب الاحتياط ـ حسبما تقدّم في مقدّمات دليل الانسداد ـ كذلك تنفي وجوب الاقتصار على القدر المكتفى به المتوقّف على الامور العسرة ، فالعقل لأجل ذلك مستقلّ في الإلزام على العمل بالظنّ بعدم الفرق بين أسبابه.
وأمّا الثاني : فمرجع الكلام فيه إلى أنّ الظنّ في موضوع قضيّة حكم [ العقل ] ، هو الظنّ القوي الاطمئناني ، الّذي ملاكه البلوغ إلى حدّ يزول معه التزلزل ويرتفع التحيّر ، أو هو الظنّ المطلق ولو كان ضعيفا ، فيجوز الاكتفاء به وإن أمكن تحصيل الظنّ القوي.
وعلى الأوّل فهل الظنّ الغير الاطمئناني في المسائل المظنونة بذلك الظنّ ، ـ بعد تعذّر الظنّ الاطمئناني بعدم وجود أمارة توجبه ـ ملحق بالشكّ في المسائل المشكوكة ، لخلوّها عن الأمارة الظنّيّة بالمرّة ، أو أنّه مرجع يجب العمل به خالف الاحتياط أو وافقه؟
فقد يقال : ـ بالنظر إلى أنّ مقتضى القاعدة العقليّة في أحكام الله المعلومة بالإجمال وجوب امتثالها العلمي التفصيلي ، ومع تعذّره بانسداد باب العلم فالامتثال العلمي الإجمالي الحاصل بالاحتياط ، بإتيان كلّما يحتمل الوجوب ، وترك كلّما يحتمل الحرمة ، ومع عدم إمكانه أو تعسّره فالامتثال الظنّي ، إلى ما لم يكن في العمل بالاحتياط عذر أو عسر فيعمل به حينئذ ، لأنّ المقدّمة النافية له من مقدّمات دليل الانسداد إنّما نفته على وجه الإيجاب الكلّي.
ومن المعلوم أنّ إبطال الموجبة الكلّيّة ليس إثباتا للسالبة الكلّيّة ـ بوجوب الاقتصار على الظنّ القوي الاطمئناني ، تعليلا : بأنّ العقل حاكم بأنّ الظنّ القوي الاطمئناني أقرب إلى العلم عند تعذّره ، وبأنّه إذا لم يمكن القطع بموافقة أحكامه تعالى وجب تحصيل الموافقة لها بالظنّ الأقرب إلى العلم ، وحينئذ فإن قام على خلاف مقتضى الاحتياط في خصوص المسألة ، أو فيها من حيث كونها إحدى المسائل المقطوع إجمالا بتحقّق تكليف إلزامي فيها