الواقعة أنّه قرّر حكم العقل ، والمفروض عدم وقوع حكم من العقل في غير مورد العلّة أعني الكشف عن المرادات لينعقد فيه التقرير أيضا.
ومن هنا يظهر ما في دعوى الأولويّة القطعيّة ، فإنّ مناط العمل في الطائفة الاولى إذا كان مفقودا في الطائفة الثانية ، فأيّ أولويّة للطائفة الثانية حينئذ فضلا عن كونها قطعيّة حتّى توجب التعدّي إليها؟
وكأنّ توهّم الإجماع إنّما نشأ عن ملاحظة إجماع أصحاب الظنون الخاصّة في العمل بها على عدم الفرق بين أفراد الخبر الحسن ، ولا بين أفراد الشهرة لأجل ثبوت دليل خاصّ دلّهم على ذلك بزعمهم كآية النفر ، ورواية « خذ بما اشتهر بين أصحابك » مثلا ، فتعدّوا إلى المقام وادّعوا الإجماع على عدم الفرق فيه أيضا ، غفلة عن أنّ الكلام فيه إنّما هو على الظنون المطلقة المفروضة على تقدير فقد الظنون الخاصّة.
ونعم ما قال شيخنا قدسسره في هذا المقام : « من أنّه لو ادّعى الإجماع على أنّ كلّ من عمل بجملة من الأخبار الحسان أو الشهرة لأجل العلم الإجمالي بمطابقة بعضها الواقع ، لم يعمل بالباقي الخالي عن هذا العلم الإجمالي ، كان في محلّه » (١).
ومنها : ما حكاه شيخنا قدسسره عن بعض مشايخه طاب ثراه (٢) من الاستناد للتعميم إلى قاعدة الاشتغال ، « بتقريب : أنّه قد ثبت بدليل الانسداد وجوب العمل بالظنّ في الجملة ، والمفروض عدم وجود قدر متيقّن كاف في الفقه ، لما عرفت من أنّ الأخبار الصحيحة المزكّاة بتزكية عدلين غير وافية إلاّ بأقلّ قليل من الأحكام ، وأنّ الظنّ الواجب العمل الّذي هو المكلّف به مشتبه بغيره ، فوجب العمل بكلّ ظنّ يحتمل كونه ممّا يجب العمل به عند الشارع ، لأنّ اليقين بالاشتغال يستدعي اليقين بالبراءة الّذي لا يحصل إلاّ بهذا التقدير.
ومنع جريانها هنا لكون ما عدا واجب العمل من الظنون محرّم العمل من جهة أصالة التحريم ، فيدور الأمر بين المحذورين ، فكلّ ظنّ يحتمل كونه من واجب العمل يحتمل كونه محرّم العمل أيضا ، مدفوع : بأنّ الحرمة هنا تشريعيّة ، لا أنّها شرعيّة ناشئة عن مفسدة ذاتيّة ، لأنّه إنّما حرم العمل بالظنّ من حيث كونه لا يغني من الحقّ شيئا وهو العلم ، فالمحرّم إنّما هو العمل بالظنّ على وجه الوجوب وعلى أنّه كالعلم مأمور به وهو التشريع ، لا العمل بما يحتمل كونه واجبا لاحتمال الوجوب ولرجاء كونه واجبا ، وهذا ليس تشريعا ».
__________________
(١) فرائد الاصول : ١ / ٤٩٧.
(٢) هو شريف العلماء ، راجع ضوابط الاصول : ٢٥٥.