لا مطلق مظنون الاعتبار.
فإن قلت : كون ما ذكر قدرا متيقّنا إنّما هو باعتبار كونه مظنون الاعتبار ، فيكون مظنون الاعتبار بجميع أفراده من القدر المتيقّن.
قلت : كونه القدر المتيقّن إنّما هو من جهة كونه أقرب إلى العلم في نظر العقل بعد تعذّره وانسداد بابه ، بملاحظة بعد احتمال الكذب فيما زكّاه عدلان ، لا من جهة كونه مظنون الاعتبار.
فإن قلت : مظنون الاعتبار على إطلاقه أيضا أقرب إلى العلم.
قلت : هذا إنّما يستقيم لو كان الجهة الموجبة لانقسام الظنون إلى الأقسام الثلاث المذكورة هو اختلاف مراتب الظنّ ، من حيث القوّة والضعف والمتوسّط بينهما ، ولعلّه موضع منع لظهور كلامهم في التقسيم ـ بل صريح بعضهم ـ كون الموجب له ذهاب الأكثر إلى العمل أو إلى ترك العمل ، وعدم ذهابهم إلى شيء منهما ، وهذا لا يلازم كون كلّ ما ذهب الأكثر إلى العمل به أقوى ، وكلّ ما ذهب إليه الأكثر إلى ترك العمل به أضعف ، وقد بيّنا سابقا أنّ الشهرة ربّما تفيد من الظنّ ما لا يفيده الخبر الصحيح.
فإن قلت : إنّ مظنون الاعتبار منحصر فيما زكّاه عدلان ، كما تقدّم التصريح في كلام غير الواحد.
قلت : هذا واضح المنع ، لأنّ الظنّ بالاعتبار على ما يرشد إليه النظر يحصل من امور :
منها : شهرة الحجّيّة ، كما في الخبر الصحيح مطلقا.
ومنها : طريقة القدماء في العمل بالروايات المنوط عندهم بكونها موجبة لسكون النفس ، ولذا يعتمدون على أخبار المتحرّز عن الكذب ، وإن كان فاسقا بسائر جوارحه ، ومن ثمّ وصفوا خبره بالصحّة.
ومنها : الشهرة الجابرة لضعف الخبر في الأخبار الضعيفة المنجبرة بالشهرة ، سواء كانت شهرة في العمل أو في الرواية.
ومنها : الأخبار المستفيضة الدالّة على إناطة حجّيّة الخبر بكونه موثوقا بصدوره ، فإنّ كلاّ من هذه الامور يفيد ظنّ الحجّيّة والاعتبار ، فيندرج في مظنون الاعتبار حينئذ الصحاح مطلقا ، وجملة كثيرة من الموثّقات ، وجملة من الحسان والضعاف المنجبرة بالشهرة ، والأخبار الموثوق بصدورها من جهة القرائن الداخلة أو الخارجة ، فدعوى الانحصار واضحة الفساد.
وأمّا ثانيا : فلمنع عدم كفاية مظنون الاعتبار بعد ما عرفت من عدم انحصاره في الصحاح المزكّاة بتزكية عدلين ، فإنّ الأقسام المذكورة له وافية بمعظم الأحكام ، بحيث لم